بقلم - د. جبريل العبيدي
ليبيا التي كانت من ضمن ضحايا الاستعمار بين إيطاليا وفرنسا في القرن الماضي، تواجه اليوم تداعيات صراع النفوذ الحالي بين قصري كيجي والإليزيه، ومكان هذا الصراع في الصحراء الليبية، صراع سماسرة النفط والغاز، ليتجدد بذلك تاريخ الصراع بين موسوليني وبيير لافال، تحت ظلال كتب شارل ديغول من حد السيف (Le fil de l›épée) إلى فرنسا وجيشها La France et son armée.
جذور الصراع الإيطالي الفرنسي على ليبيا، عميقة وليست سطحية وتمتد إلى زمن الصراع على شريط أوزو الليبي الغني باليورانيوم مع الحدود التشادية، في خمسينات القرن الماضي، وأدت إلى الحرب الليبية التشادية المعروفة التي تقاسمت ليبيا فيها النفوذ مع فرنسا في تشاد، فقد كان ما فوق خط 16 لليبيا وما تحته لفرنسا. وأدى هذا إلى خروج إيطاليا من المعادلة على الرغم من أن هناك معاهدة قديمة بين إيطاليا في عهد موسوليني وفرنسا (في عهد رئيس وزرائها بيير لافال)، عُرفت بمعاهدة موسوليني - لافال، حول شريط أوزو.
الصراع الإيطالي الفرنسي في ليبيا، ظهر للعلن ولم يعد خفياً ولعل منع الجنود الإيطاليين من إنشاء قاعدة في النيجر البلد المجاور لجنوب ليبيا، ومنعهم من الوجود في تونس المستعمرة الفرنسية السابقة اعتبرته إيطاليا محاصرة وتقليصاً لنفوذها في ليبيا، وقد حاولت إيطاليا أيضا إقامة قاعدة عسكرية في الجنوب الليبي بحجة المساهمة في كبح الهجرة من أفريقيا إلا أن ذلك قوبل بالرفض الشعبي، وإن كان السفير الإيطالي لدى ليبيا، جوزيبي بيروني، قد نفى الأمر واعتبره شائعات، رغم أن موقع «ماسجيرو» الإيطالي، ذكر أن «وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني عقد اتفاقا مع حكومة (الوفاق) بإقامة قاعدة عسكرية إيطالية في غات جنوب ليبيا»، النفي الإيطالي المتكرر يأتي رغم وجود قوات إيطالية على الأرض في ليبيا بذريعة حماية مستشفى في مدينة مصراتة، رغم أن عدد القوات يفوق عدد حراسة أو توفير حماية لمستشفى.
التدخل الإيطالي السافر في ليبيا الذي تعده الأعراف الدبلوماسية، سواء بالتصريحات الفاشية التي يطلقها وزراء روما، أو بما تفعله القوات الإيطالية من انتهاك صريح للمياه والأراضي الليبية، كان سبباً في إفساد محاولتي تقارب جرتا بين الفرقاء الليبيين إحداها في قصر لاسيل سانت كلود غرب باريس العام الماضي، والأخرى في قصر الإليزيه العام الحالي، جمعت المشير خليفة حفتر قائد الجيش وفائز السراج رئيس المجلس الرئاسي، حيث حرضت إيطاليا الأطراف التي لا تزال تحن للمستعمر الإيطالي، لإفساد تفاهمات باريس للمرة الثانية، الذين هم أخلاف لأسلاف كانوا عملاء للمستعمر وجنوداً بين جنودها، في حين كان عمر المختار ورجاله الشرفاء يقارعون الطليان الفاشيست، فالتاريخ يعيد نفسه.
حقيقة الصراع بين إيطاليا وفرنسا، كانت لها تداعيات على أي محاولة للتقارب بين الفرقاء الليبيين، وكان الخلاف بينهما حاضراً أكثر من الاتفاق أو حتى التوافق، فقد أشارت صحيفة «لاستامبا» الإيطالية إلى أن مباراة حامية تجري بين روما وباريس في ليبيا، خاصة بعد التصريح المستفز لوزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا، الذي نشرته صحيفة «جورنال» الإيطالية، قالت فيه إن «ليبيا من أملاكنا» مما يؤكد هيمنة منطق اليمين المتطرف الإيطالي بزعامة ماتيو سالفيني، زعيم حزب اليمين المتطرف، الذي يستمد قوته من العقلية الفاشية، التي كانت سائدة في عهد المستعمر بينيتو أندريا موسوليني حليف هتلر وفرانكو، في ظل تأخر الاشتراكيين في التشكيلة الحكومية الإيطالية الحالية.
رغم احتدام الصراع ومرحلة كسر العظم بين الأطراف الخارجية وتكاثر الأكلة حول القصعة الليبية، فإن ليبيا لن تدار من غرف قصر كيجي ولا قصر الإليزيه، وحتى الديوان الإخواني في قطر بواجهته نظام الحمدين أو غيره، فليبيا لن تكون حلبة صراع الشركات النفطية، سواء لإيني الإيطالية أو توتال الفرنسية، ولا قطر بترويليام، رغم ضخ أموالهم الفاسدة في أتون حرب أهلية في ليبيا على منابع وآبار وموانئ تصدير النفط، لتمكين نظام الإخوان العالمي من السيطرة على منابع نفط ليبيا وغازها، إلا أن التاريخ أثبت أن ليبيا صخرة تحطم عليها كثير من المستعمرين والغزاة والمتصارعين، والقائمة طويلة للتكثير ولعل آخرها إرفين رومل وبرنارد مونتغمري.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع