بقلم - د. جبريل العبيدي
خمسة ملايين طلقة تحملها السفينة «BF ESPERANZA»، التي أبحرت يوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي من ميناء مرسين في جنوب تركيا، ليتم ضبطها في ليبيا، محملة بأطنان من الأسلحة ومعدات الاغتيال والجريمة المنظمة والإرهاب.. أكثر من مليوني طلقة مسدس تركي الصنع من عيار 9 ملم، ونحو 3 آلاف مسدس من عيار 9 ملم ومئات من مسدسات «بيريتا». ووفق التقارير الصحافية، فإن الحمولة تركية المنشأ لشركتي «zoraki» و«Retay»، وجهتها ليبيا والخدعة المعلنة أنها «مواد بناء»، وهي في الواقع مواد هدم ودمار وإشاعة الفوضى.
تركيا دأبت على توريد الأسلحة إلى ليبيا ضمن مشروع التدخل والتوغل التركي في المنطقة، خصوصاً في المستعمرات (الولايات) التركية، التي كانت ليبيا إحداها، وهذه ليست الشحنة الأولى؛ فقد سبقتها شحنة السفينة «آندروميدا» التي احتجزتها السلطات اليونانية وهي في طريقها من تركيا إلى ليبيا بحمولة 500 طن من المتفجرات، و200 ألف طن من نترات الأمونيوم التي يطلق عليها اسم «فاكهة (القاعدة)»، حملتها إلى الجماعات المسلحة في ليبيا، تحت شعار دعم «الثوار»، رغم حظر مجلس الأمن توريد الأسلحة، ما دفع الجيش الليبي إلى مطالبة مجلس الأمن بالتحقيق في الشحنة لمعرفة ما إذا كانت الحكومة التركية متورطة في هذا الأمر، أم أنه «خارج علمها».
الأمر الذي يبقي السؤال مطروحاً؛ هل تكرار حوادث تدفق السلاح عبر شحن السفن التركية بالأسلحة وإبحارها من الموانئ التركية، وإرسالها إلى الموانئ الليبية على أنها مواد بناء، بعلم السلطات التركية الرسمية أم لا؟ أم أن ذلك ناتج عن ضعف (مستبعد طبعاً) وتهاون في أجهزة الرقابة والضبط والجمارك التركية! أم أن هناك قوى نافذة في تركيا، قد تمثل «الدولة العميقة» أو الخفية لها مصلحة في دعم الميليشيات والجماعات الإرهابية في ليبيا وتغذية الصراع وإطالة عمر الأزمة؟
ماذا تريد تركيا من ليبيا، هذا البلد المنكوب، عبر تدفق الأسلحة والذخائر بالملايين؟ فتصدير الرعب والفزع وأدوات الإرهاب إلى ليبيا، أياً كان الفاعل والمتسبب بها، يجعلنا نطالب مجلس الأمن بالتحقيق في حوادث السفن التركية، وهل مصدرها حكومي أم جهات أخرى، خصوصاً أن مجلس الأمن لا يزال يفرض حظراً على توريد الأسلحة والمعدات القتالية إلى ليبيا، في حين يتجاهل قوافل السفن التي تنطلق من موانئ تركيا والمحملة بالأسلحة لترسو في موانئ ليبيا لتفرغ حمولتها، وهذه الفضيحة الثانية بعد الأولى التي ضبطتها اليونان، ستكون بمثابة اختبار لإرادة القوى الدولية لتطبيق قرارات الحظر وملاحقة الجناة سواء كانوا أفراداً أم حكومات، وإلا سيبدو مجلس الأمن شريكاً بصمته هذا، أما مجرد الإدانة فهي لا تكفي ولن تحقق الأمن، خصوصاً أن ليبيا تتعرض لهجمة شرسة بتدفق كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر تكاد تكفي رصاصة لكل ليبي، فهل في تركيا من يريد قتل ملايين الليبيين والتخلص منهم رغم أن ليبيا يفصلها عن تركيا بحر لا قرار له؟
وهل هذه السفينة والتي سبقتها التي تم ضبطها فقط كل ما أرسل من تركيا؟! أم أن هناك سفناً وشحنات استطاعت التسلل والدخول، لتمكن جماعات ليس خافياً على أحد ارتباطها بالمشروع التركي في المنطقة، الذي يوظف الإسلام السياسي، خصوصاً الجماعة الضالة، جماعة البنا وقطب، التي تسمي نفسها «الإخوان المسلمين» صاحبة المشروع العابر للحدود، التي ترتبط بمشروع دولي ظاهره «دولة الخلافة» وما خفي فيه أعظم وأبشع من ظاهره؟
السفن التركية التي تم ضبطها، الأولى والثانية وغيرهما، المحملة بالأسلحة وأدوات الاغتيالات، لا يمكن تجاهلها، خصوصاً أن تركيا تحتضن قيادات جماعة «الإخوان» الليبية، التي تخوض حرباً مع الجيش الليبي، وترفض مؤسسات الدولة المدنية من جيش وشرطة، وتصر على فرض نفسها على الليبيين بالسلاح والاغتيال.
فضائح السفن التركية تضع البعثة الدولية للأمم المتحدة والدول الراعية لاتفاق الصخيرات في ليبيا على المحك، والاختبار الحقيقي حول جدية المسعى نحو تحقيق السلام ونزع فتيل القتال وملاحقة صناع الفوضى والخراب والإرهاب في ليبيا.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع