بقلم: د. جبريل العبيدي
فيروس كورونا المستجد و«المرعب»، هو المحرك الرئيسي وراء الإجراءات الاحترازية التي يتخذها بعض دول العالم، خصوصاً بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية رسمياً فيروس كورونا وباء عالمياً (pandemic)، ما يعني انتشاره خارج السيطرة، بعد أن أكدت المنظمة أن أوروبا باتت بؤرة وباء كورونا العالمي.
لقد حبس العالم أنفاسه بين البقاء في عزلة طوعية وأخرى مجبرة، وكتم الناس أنفاسهم بكمامات، تسابق تجار الأزمات على رفع أسعارها، حتى فاقت المعقول، رغم أن الكمامة ليست ضرورة مطلقة للوقاية من المرض، بقدر الحرص على النظافة والتعقيم، وعدم ملامسة الوجه والأسطح، وترك المصافحة والعناق بين الناس.
سارع الرئيس الأميركي ترمب بإغلاق حدود بلاده وإعلان حالة الطوارئ، وبسبب الهلع الذي سببه كورونا أغلق كثير من الدول المنافذ الجوية والبرية، وأصبحت في حالة عزلة تامة، وكان بعضها قرر الموت بصمت بعيداً، بعد أن بلغت الإصابات بفيروس كورونا في العالم 150 ألفاً بينها أكثر من 5700 وفاة في 137 بلداً، بينما وكالة الحماية المدنية في إيطاليا قالت إن نسبة الوفيات ارتفعت 14 في المائة.
فقد تمَّ تعليق دوام المدارس والفعاليات الرياضية والصلاة في المساجد والكنائس، فخلت المدارس والجامعات، بل حتى المساجد والساحات وملاعب كرة القدم والمسارح والسينما والأسواق والشوارع والمتنزهات والنوادي من الناس، ودبَّ الهلع بينهم، رغم ترديد وتكرار الأطباء بأن معدلات الوفاة من الفيروس «المرعب» لا تزال متدنية جداً تتراوح بين 2 و5 في المائة.
فوبيا كورونا أصابت حتى إرهابيي «داعش»، فأصدر تنظيم داعش الإرهابي توجيهات «شرعية» للتعامل مع الأوبئة لعناصره.
هلع وفوبيا كورونا صنعهما الإعلام بالتهويل، شاركته الحملات الانتخابية في بلدان العالم، خصوصاً أميركا وأوروبا، ما جعل المسؤولين يتسابقون في الظهور بمظهر الحريصين على شعوبهم، الأمر الذي جعل ترمب يخضع نفسه للكشف الطوعي عن الفيروس، ويعلن حالة الطوارئ الوطنية، رغم أن الفيروس لم يخرج عن السيطرة في أميركا، في اتهامات له باستغلال الأزمة انتخابياً.
الصين البؤرة الأولى كانت أكثر الدول نجاحاً في مواجهة الفيروس، بل إنها تجاوزت حالة الخطر، وأصبح الفيروس تحت السيطرة، نظراً لإجراءات الصين الاحترازية، إذ نجحت بشكل كبير في الحد من انتشار كورونا، فقد تماثل للشفاء أكثر من 70 في المائة من الحالات، الأمر الذي يعدّ نجاحاً للسياسة الصحية للصين في مواجهة وباء كورونا، في حين نرى إيطاليا لا تزال تتخبط في مواجهة الخطر بسياسات أقل نجاحاً، ما تسبب في تحول إيطاليا إلى البؤرة الثانية عالمياً، وقد تصبح الأولى بعد نجاح الصين في السيطرة عليه داخلياً.
رائحة الموت ووداع الأحبة هما ما يشغل الكثيرين، رغم تدني نسبة الوفيات بين المصابين، فقد يكون الإعلام تسبب في حالة الهلع ونشر الرهاب والفوبيا من دون أن يقصد بين الناس، خصوصاً والإعلام يكرر أن الفيروس يتسبب في وفاة كبار السن، ما جعل حالة من الهلع واليأس بين هذه الفئة التي لم يراعِ شعورها بعض الإعلام المهول.
العالم في مواجهة كورونا يحبس أنفاسه ويتبادل التهم بين الإهمال والتستر على المرض حتى أصبح وباءً عالمياً، وفكرة الحرب الجرثومية، كما صرَّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، التي قال فيها إن «الجيش الأميركي ربما يكون قد نقل (كوفيد - 19) إلى مدينة ووهان الصينية»، ولم يتوقف التلاسن الجرثومي عند هذا الحد، بل طال المرشد الإيراني وبومبيو وزير خارجية أميركا عبر تغريدات على «تويتر». المرشد الإيراني قال في تغريدة إن «فيروس كورونا بناء على الأدلة قد يكون هجوماً بيولوجياً»، ليرد عليه مايك بومبيو: «كان عليك منع الطيران إلى ووهان الصينية، وعدم سجن مَن تحدث عن الأمر».
وبينما يستمر التلاسن عن حرب جرثومية افتراضية، يستمر فيروس كورونا يفتك بمن يستفرد بهم الضحايا، في ظل غياب جهد عالمي ضد عدو مشترك استطاع أن يحبس أنفاس العالم.