بقلم :د. جبريل العبيدي
إيران والانهيار من الداخل، ليست نبوءة ولا كهانة بل هي معطيات ومدخلات ونتائج لسلوكيات النظام الإيراني التي أصبحت تجد شهوداً عليها من الداخل الإيراني بعد شهادة النائبة البرلمانية فائزة رفسنجاني، ابنة الرئيس الأسبق الراحل هاشمي رفسنجاني، التي قالت: «إن النظام الإيراني متورط في قتل السوريين واليمنيين»، وتؤكد أن النظام الإيراني أصبح مكشوفاً حتى لدى أنصاره السابقين، ولم يعد باستطاعة النظام الهروب من جرائمه بالتكذيب والنكران والقول إنها أكاذيب أعداء النظام «الإسلامي» في إيران، فهذه ابنة أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام السابق، وبالتالي لا يمكن الطعن في شهادة ابنة رفسنجاني، التي أكدت فيها أن بلادها متورطة في قتل نصف مليون سوري، ومتورطة في قتل اليمنيين من خلال دعم ميليشيات الحوثي.
السيدة فائزة رفسنجاني التي قالت عن النظام الإيراني إنه قتل من المسلمين أكثر مما فعلت إسرائيل، تعد مجاهرة خطيرة وشجاعة في بلد لا يعترف بالحريات ولا الرأي الآخر واعتاد على اغتيال معارضيه وتصفيتهم. كما تُصنف على أنها من معارضة الداخل وأحياناً تُحسب على التيار الإصلاحي، ولكن لا يمكن إدراجها في قائمة أعداء إيران أو ضمن قوائم الملاحقة الخاصة بالباسيج (الأمن السياسي والمخابرات الإيرانية) وأنها من عملاء الشيطان الأكبر، كما جرت عادة النظام الإيراني على وصف معارضيه، فوالدها الذي ترأس إيران والبرلمان وقبل وفاته كان رئيساً لمجمع تشخيص مصلحة النظام، لا يمكن لعاقل أن يقبل أنها مدسوسة على النظام الإيراني الذي كما وصفته السيدة رفسنجاني بأنه ينهار من الداخل.
لا يمكن قراءة شهادة فائزة رفسنجاني إلا على أنها مجاهرة من داخل منظومة النظام الذي تكشفت عورته، فالسيدة رفسنجاني التي قالت: «إن النظام الإيراني أخطأ بحق الشعب أكثر من إسرائيل والولايات المتحدة ونظام بهلوي، والكوارث التي تورط فيها شعبنا، لم تقم بها أي من هذه الأطراف» تعد شجاعة غير مسبوقة من أحد المحسوبين على النظام، خاصة أنها وصفت سياسات النظام الإيراني بـ«اللاعقلانية» و«الطالبانية».
السيدة رفسنجاني التي لا يمكن تصنيفها إلا على أنها شاهد من الداخل، قالت عن الرئيس الإيراني «المنتخب» إبراهيم رئيسي: «ليس بيده شيء»، وإنه مجرد دمية يحرّكها أشخاص آخرون من وراء الكواليس.
منذ «الثورة الخمينية» سعى النظام الإيراني إلى تصدير الأزمات تحت عباءة «الثورة الإسلامية» كما يسميها النظام، بنكهة صفوية تصطدم مع منهج السلف إلى دول الجوار السني وزعزعة السلم المجتمعي فيها، عبر تهييج النعرات الطائفية فيها، فقد دأب النظام الإيراني على جر المنطقة إلى النزاعات والتسبب في المشكلات لجيرانه، بدءاً من عرقلة الملاحة في الخليج العربي والتهديد بإغلاق مضيق هرمز، إلى عرقلة الملاحة التجارية من خلال أعمال إرهابية مثل إعطاب أربع سفن تجارية في الخليج العربي من خلال الإيعاز لعناصرها في المنطقة بالعمل التخريبي، الذي يهدد الملاحة الدولية.
شهادة فائزة رفسنجاني عن جرائم النظام الإيراني تعكس حالة من الغضب من داخل المنظومة نفسها، وأن النظام الإيراني فعلاً بدأ في الانهيار من الداخل بعد أن بدأ في التخلي عن أنصاره بل حتى تصفية البعض منهم كما حدث للرئيس رفسنجاني الذي أظهرت الفحوصات الطبية احتواء جسده على مُستويات عالية من الإشعاعات قبيل وفاته.
النظام الإيراني المأزوم داخلياً وخارجياً، اعتاد على سياسة التصعيد والتصادم، فهو مختبئ خلف «ديمقراطية» زائفة، ديمقراطية ولاية الفقيه عبر انتخابات مزورة، ما هي إلا واجهة دعائية لنظام قمعي طائفي لا يؤمن بالديمقراطية الحقة والتنوع السياسي.
النظام الإيراني اليوم لا يواجه الخارج فقط، بل يواجه الداخل الذي لم يستطع تحمل المعاناة والكارثة التي تسبب فيها للشعب الإيراني من قمع وتكميم أفواه في ظل فقر وجوع ومرض، مما دفع حتى أنصاره إلى المجاهرة بالشهادة ضده.