بقلم: د. جبريل العبيدي
تشهد السياسة التركية تراجعات واضحة؛ من بينها فك الارتباط مع الإعلام الإخواني ولو «مرحلياً» على الأقل، مصحوباً بتجميد؛ وليس إنهاء، نشاط جماعة «الإخوان» على الأراضي التركي، فمنذ سنوات ست والإدارة السياسية في تركيا لم تحترم الخيارين الانتخابيين المصري والليبي؛ لأنهما كانا على غير هوى الإدارة السياسية التركية؛ أي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وناصبت كلا البلدين العداء؛ بل تعدت الخصومة السياسية إلى التدخل العسكري في ليبيا ونشر قوات وجلب مرتزقة.
تراجع تركيا عن سياساتها، خصوصاً مشروع دعم وتمكين تنظيم جماعة «الإخوان»، والشروع في تجميد نشاط الفاعلين من أعضائه، ومراجعة تصاريح إقامتهم وملفاتهم، وإسكات القنوات الإعلامية التي تناصب مصر العداء وتمارس التحريض والعنف وتبث من الأراضي التركية طيلة السنوات الماضية... كانت خطوات واضحة، وإن كان مستشار إردوغان بررها بالقول: «غلّبنا السياسة الوطنية والاقتصادية على الآيديولوجيا والعواطف الدينية»، بينما خاطبت بعض النخب السياسية التركية إردوغان بالقول: «الدولة لا تُبنى بالعواطف الإسلامية والعيش في التاريخ، فلا بد من عقلنة الدولة».
ففي هذه الأيام تشهد العلاقات المصرية والخليجية مع تركيا نوعاً من التغير التدريجي من القطيعة إلى محاولات التقارب، ولو عبر رسائل المغازلة وبعض الخطوات من قِبل تركيا؛ منها التوقف عن خطاب الكراهية والتحريض والعنف.
خطوات تركيا وسياساتها وصفت بالتغير في المواقف عقب توجيه تركيا قنوات جماعة «الإخوان» التي تبث من إسطنبول بالتوقف عن استهداف مصر والخليج ووقف برامجها السياسية. وأصدرت السلطات التركية قرارات بوقف إنشاء أي أحزاب سياسية للجماعة داخل تركيا، بل بدأت أنقرة تراجع كل ملفات عناصر «الإخوان» الذين دخلوا الأراضي التركية منذ عام 2013. خطوات تركيا وصفت بـ«التراجع»، ووصفها وزير الإعلام المصري بأنها بادرة طيبة من الجانب التركي تخلق مناخاً ملائماً لبحث الملفات محل الخلافات بين الدولتين.
ولكن يبقى السؤال: هل هي سياسة تكتيك وإعادة تموضع وتأقلم وتكيف مع الظروف المحيطة والضغط الدولي، خصوصاً الأميركي، أم هي تغير فعلي في السياسة الخارجية التركية والتعاطي بموضوعية واتزان وفق الالتزامات والمعاهدات والأعراف الدولية؟ إجابة السؤال سيحكم عليها المقبل من الأيام، ومدى جدية النظام التركي متمثلاً في الرئيس إردوغان خاصة، ومدى الجدية في فك الارتباط مع الجماعة الإرهابية.
مشكلة الإسلام السياسي أنه أوغل في حبه النرجسي لإردوغان لدرجة جعله «خليفة المسلمين» بلا منازع، ورغم المخالفة الشرعية؛ (الخلافة في قريش)، ولم يكن إردوغان من قريش، فإن نرجسية «الإخوان» بالغت في الثناء عليه حليفاً وشريكاً للجماعة، من دون النظر إلى تاريخه البراغماتي في السياسة، الذي من أبرز أمثلته تحوله من حليف سابق للقذافي نال جائزته، إلى عدو شارك في قتله. وها هو إردوغان «الخليفة»، وفق الإعلام الإخواني، ينفض يده من مبايعيه بالمجان خليفة لهم، مما جعل بعضهم يسارع إلى وصف إردوغان بأنه مجرد حليف ترك حلفاءه لمصلحة ابتغاها.
تيار الإسلام السياسي يشهد مرحلة نكسة هي أقرب إلى انتهاء خدمة العملاء عند مستخدميهم، وفقدان الدعم والمظلة السياسية عند شركائه. فتراجع الداعم الدولي والإقليمي لمشروع التمكين، جاء نظراً لفشل التيار في أن يكون بديلاً مقنعاً للتيار القومي والوطني في بلدانهم رغم تآمرهم عليها وضربها من الداخل، إلا إن ما حصدوه خلال ثمانين عاماً لم يكن سوى الفشل رغم البراعة في الكم الهائل من الخبث والدسائس والمؤامرات على الأوطان التي عاشوا فيها.
الخطوات التركية الأخيرة ستكشف عن خباياها الأيام المقبلة؛ هل هي مراجعات فعلية وعودة إلى شعار «صفر مشكلات»، أم هي مجرد تكتيك لتجنب عاصفة ضغط دولي؟