بقلم :د. جبريل العبيدي
تأتي قمة جدة في توقيت مهم ومفصلي يشهد العالم فيه تغيراً كبيراً في التحالفات والشراكات المتنوعة اقتصادياً وعسكرياً، بل حتى في جغرافيا البلدان، بعد الحرب في أوكرانيا التي تبعتها أزمات الطاقة والغذاء، ومن قبلها أزمة جائحة «كورونا».
قمة جدة فرصة لتعزيز جهود حفظ الأمن والاستقرار الإقليميين، وتوسيع الشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج والشرق الأوسط والولايات المتحدة، ودعم وتطوير أواصر العلاقات التاريخية المتميزة خاصة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، منذ زمن المؤسس الملك عبد العزيز وعهد الرئيس روزفلت منذ اللقاء على ظهر الطراد (كوينسي) في البحيرات المرة بقناة السويس.
قمة جدة استطاعت تعديل اتجاه البوصلة في العلاقات الأميركية ودول الشرق الأوسط، بعد أن عاد الرئيس جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج طلباً للشراكة معها.
اعتدال البوصلة حققته الحكمة السعودية التي يتقدمها الملك سلمان بن عبد العزيز، الملك الإصلاحي، وولي عهده الأمير الطموح محمد بن سلمان، الذي استطاع بحكمة الشاب المجدد جمع كبار قادة العالم في جدة على طاولة مستديرة، القرار فيها بالشراكة والتوافق، بعد أن ولى زمن الإملاءات والاشتراطات، وهلّ زمن الشراكة والندية في اتخاذ القرار، وانتهاء زمن الأحلاف والأحلاف المضادة، فالشراكة مفتوحة للجميع ولمن يرغب في أن يكون شريكاً في تحقيق الأمن والتنمية، فلا يمكن تحقيق تنمية من دون تحقيق أمن واستقرار.
قمة جدة ليست موجهة ضد أحد، ولا هي لبناء أحْلاف مضادة، بل هي قمة شراكة دولية لمعالجة أزمات الطاقة والغذاء والمناخ التي ستنعكس على الأمن والسلام الدولي وتحقيق تنمية مستدامة.
ومن اللافت أن زيارة الرئيس الأميركي بايدن للخليج والمملكة العربية السعودية، جاءت هذه المرة بلا وجود لأي جندي أميركي في الخليج العربي، بل إن القيادة السعودية طالبت بمغادرة قوات حفظ السلام في جزيرتي تيران وصنافير، في خطوة مهمة تؤكد استقلالية الإرادة والقرار.
قمة جدة لم تقف عند الشراكة الاقتصادية، بل طالبت بالإسراع بحل عادل في كل من اليمن وليبيا وفلسطين وسوريا وإبعاد الصراعات الخارجية عن تلك البلدان.
في قمة جدة أكد الرئيس بايدن القول: «سنعمل في منطقة الشرق الأوسط ونؤسس لعلاقات اقتصادية مستدامة، والولايات المتحدة ستبقى شريكاً نشطاً في الشرق الأوسط، والمصالح الأميركية مرتبطة مع النجاحات في الشرق الأوسط»، وشدد على أنه «لن نسمح لإيران بنشر التوترات في المنطقة».
قمة جدة بلسان قادتها دعت إلى التكامل الإقليمي في مجالات الأمن الغذائي والطاقة والنقل والمياه، وتكثيف الجهود المشتركة لإحياء عملية السلام، بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والحفاظ على مقدرات الشعوب وتمكين المرأة والشباب، ودعم دور المؤسسات والقيادات الدينية لدعم قيم التسامح.
وفي مجال حقوق الإنسان تلك الشماعة التي تلوكها ألسنة الحاقدين على النجاح والتنمية المستدامة، متجاهلين حالة الأمن والأمان والتنمية التي حققتها المملكة العربية السعودية لمواطنيها وحتى ضيوفها، فالقيادة السعودية والقضاء السعودي حققا العدالة في قضية مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي، وتمت محاكمة المذنبين والمسؤولين عن الخطأ، وقد أبلغ ولي العهد الرئيس بايدن أن المملكة «اتخذت كل الإجراءات لتجنب الأخطاء مثل مقتل خاشقجي، وأن أميركا ارتكبت أخطاء مماثلة مثل ما كان يحدث في سجن أبو غريب في العراق»، بينما العالم في انتظار رؤية تحقيق العدالة للمواطنة الأميركية الفلسطينية الصحافية شيرين أبو عاقلة.
في قمة جدة التي جمعت دول الخليج وعدداً من قادة الشرق الأوسط علاوة على الرئيس الأميركي، تحققت رسائل إيجابية متعددة، ومنها انتهاء عهد الاصطفاف، وبدء عهد الشراكة المفتوحة على الجميع؛ لتحقيق أمن وتنمية مستدامة.