بقلم: د. جبريل العبيدي
ظاهرة الاستقالات من جماعة «الإخوان» - الفرع الليبي، ليست إلا امتداداً لجذور النفاق والكذب والخداع، التي تعود إلى التربية داخل أروقة التنظيم الدولي، التي تستخدم المبدأ الميكيافيلي للوصول إلى مصالحها ولو كان عبر بوابة الكذب والخداع تحت اسم «التقية».
ففي ليبيا لا حاضنة شعبية ولا مجتمعية لإخوان حسن البنا، وهذا أثبته آخر انتخاب تشريعي في البلاد أظهر الحجم الحقيقي لهذه الجماعة وأنها لا تمثل نسبة تذكر، رغم محاولات القوى الدولية فرض الجماعة وتوطينها في ليبيا منذ إرهاصات فوضى الربيع العربي.
فالمجتمع الليبي الذي تتزعمه القبيلة والانتماء إليها؛ ضمن شبكة علاقات اجتماعية تقليدية طبيعية تحكمها علاقات الدم والمصاهرة والنسب، لن تجد جماعة «الإخوان» بيئة حاضنة لها فيه، رغم أن محاولات استنبات نبتة الشيطان في ليبيا كانت منذ تسلل التنظيم إلى ليبيا بعد لجوء أفراد من الجماعة الهاربين من جرائم جنائية في مصر زمن جمال عبد الناصر إلى ليبيا، واستغلوا حالة الخلاف مع عبد الناصر في عهد إدريس السنوسي، الذي منحهم الأمان شريطة التعهد بألا ينشروا فكرهم، ولكن الأيام أثبتت نكثهم بالعهد وخيانتهم، بنشر أفكارهم وتأسيس فرع ليبي.
ظاهرة الاستقالات الجماعية من جماعة «الإخوان» الليبية، جاءت بعد خروج بيان جماعة مدينة مصراتة ببيان الاستقالة الجماعي وحل فرع الجماعة، وقبله فرع مدينة الزاوية؛ الأمر الذي يطرح كثيراً من الأسئلة: ما الجهة التي قُدمت الاستقالة إليها؟ وما مدى جديتها؟ وهل سيحاسبون عن فترة انتمائهم للتنظيم؛ خصوصاً أن مجلس النواب أصدر قانوناً بتجريم الجماعة؟
الاستقالات الجماعية لجماعة «الإخوان»، والتي بدأت بخالد المشري (رئيس مجلس الدولة)، لا تخرج عن أنها تقية سياسية ساذجة مفضوحة، خصوصاً أن الولاء للجماعة تحكمه بيعة، تهدر دم صاحبها لو خرج عنها، فكيف يتم تصديق أن الخروج من الجماعة قابل للحدوث؟ إن ما جرى ما هو إلا وسيلة من التلون السياسي، الذي سبق فيه التنظيم الحرباء في تلونها بسبب الظروف المحيطة، فالتنظيم صاحب التاريخ الطويل في مظاهر التلون كالحرباء، والتقية، والسلوك البراغماتي، شعاره: «التقية ديني ودين آبائي».
محاولات التظاهر بالخروج من عباءة «الإخوان» من خلال استقالات مكتوبة ولكن غير معنونة لمن سيقدمها أصحابها، ما هي إلا التقية السياسية، التي كانت نتيجة طبيعية لحالة الكره المجتمعي العام لجماعة «الإخوان» في ليبيا، مما دفع بجماعتها للقفز من المركب الغارق، خصوصاً أن ليبيا تشهد اتفاقات وتفاهمات بين القوى الكبرى المتصارعة في ليبيا.
وطبقاً للنظام الأساسي لـ«الإخوان»، فإنه على قيادة الأقطار الالتزام بقرارات القيادة العامة متمثلة في المرشد العام، مما يؤكد التبعية للمرشد خارج الحدود، فجماعة «الإخوان» في ليبيا تلتزم تعليمات المرشد في مصر، مما يعني أنه لا ولاء للوطن؛ بل للمرشد، الذي يمثل الوطن في منهج «الإخوان».
أعضاء الجماعة يصنفون بين مؤيد، ومنتسب، ومنتظم، وعامل، ووفق كل توصيف يعمل العضو في الجماعة، التي ترتبط بنظام عنقودي، وسرية تامة لا مثيل لها إلا في الطقوس الماسونية. وفكر الجماعة هو البيعة على المصحف والسيف كما ذكر حسن البنا.
فالجماعة كانت دائمة الممارسة للتقية السياسية، التي يستخدمها أعضاء التنظيم عند التبرؤ من الجماعة وإنكار الانتماء إليها، بالقول إن «الانتماء للجماعة انتماء فكري وتاريخي، ولا تربطه أي علاقة تنظيمية بالمرشد»، في حين أن الحقيقة أنهم بايعوا المرشد على السمع والطاعة في المنشط والمكره.
إن التنظيم المتنكر لجغرافيا البلاد وطنياً والمنكر لهوية البلاد العربية، لن يأتي بخير لليبيين، ولو تمكن من التسلل والعودة للمشهد والسيطرة والحكم، فإن الخطر لن يكون فقط على ليبيا التي سيجعل منها بيت مال لمشاريعه، بل سيتجاوز جغرافيا ليبيا.
ولكن رغم جميع المحاولات الخارجية التي تدعمها تركيا وتمولها قطر، والتي ظاهرها الخلافة وحقيقتها العودة للعثمنة التركية؛ فإن ليبيا لن تكون عثمانية ولا مستنبتاً أو مستفرخاً للجماعات الضالة الإرهابية.