بقلم: د. جبريل العبيدي
«(النهضة) أشد من القتل» شعار رفعه بعض المتظاهرين من الشعب التونسي بمختلف أطيافه السياسية في الشارع ضد حركة «النهضة»، باعتبارها تمثل خطراً على كيان الدولة واستقرارها، من وجهة نظر بعض المتظاهرين، في مقابل صراع أجيال داخل حركة «النهضة» التي تواجه أزمة ثقة داخلياً وخارجياً، بسبب أزمات كثيرة ليس آخرها الاتهام بوجود جهاز سري مسؤول عن الاغتيالات، رغم نفي الحركة المتكرر لوجود هذا الجهاز.
«النهضة» بين شيخين، بين ما يقوله مفكرها عبد الفتاح مورو عن الفصل بين الدعوي والسياسي، ثم الخلط بينهما بتفسيرات مستحدثة مبتدعة لمعنى الدعوي، وبين ما يقوله الغنوشي عن «التخصص في العمل السياسي» وما يفعله راشد الغنوشي من تصرفات صادمة في المجتمع التونسي الحداثي، صاحب التجربة السياسية الحزبية الطويلة، بممارساته الموازية لرئاسة الجمهورية في سابقة خطيرة تخالف الدستور التونسي.
«تونسة النهضة» أم «أخونة تونس»، هو الخيار الصعب الذي تحاول «النهضة» الهروب منه إلى الأمام من دون الإجابة الفاصلة عنه، فالغنوشي يبدو أنه يشعر أن منصب رئيس مجلس النواب أصغر من طموحاته، وبالتالي حاول أن يكون رئيساً موازياً لتونس، الأمر الذي لم تقبله الأحزاب التونسية والنخب الوطنية باستثناء «النهضة» وشركائها التي بررَّت للغنوشي أفعاله.
رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي قالت إنَّ «راشد الغنوشي حوَّل البرلمان إلى وسيلة لتنفيذ أجندة إخوانية في المغرب العربي»، وأوضحت «أنَّ مجلس النواب أصبح مزرعة خاصة وشخصية لـشيخ الإخوان».
الغنوشي لم يستطع التخلص من كونه رئيس جماعة أو حركة ليندمج في منصبه الجديد رئيساً لمجلس هو برلمان لكل التونسيين. وهو بكل المقاييس لا يستطيع أن يتنكر لقسمه الذي تعتبره جماعة الإخوان مقدساً والذي يقول فيه العضو: «أضع نفسي تحت تصرف القيادة سامعاً مطيعاً لأوامرها في العسر واليسر والمنشط والمكره، معاهداً على الكتمان وعلى بذل الدم والمال، فإن خنت العهد أو أفشيت السر، فسوف يؤدي ذلك إلى إخلاء سبيل الجماعة منك، ويكون مأواك جهنم وبئس المصير».
«النهضة» مرتبطة فكرياً بجماعة الإخوان العالمية، وهي جماعة مبتدعة دينياً، ومفلسة سياسياً، تخلط ما هو لله مع ما هو لقيصر، مما يشكك في أي انفكاك مقنع ستتخذه «النهضة»، أو أي فريق مرتبط بجماعة الإخوان. وتمسك شيوخ «النهضة» بجماعة الإخوان والتنظيم العالمي والارتباط بها، وعدم القدرة على الانفكاك عنها، رغم الإفلاس والتذبذب السياسي عند الجماعة، مرده ألا خيار لهم، فهم انفضحوا أمام الشعب الذي أصبح لا يثق بهم، مهما حاولوا تلميع صورتهم، ما جعلهم يتشبثون بما هم فيه من أجل البقاء، رغم خسارتهم ليس فقط الصندوق الانتخابي، فالجماعة المبنية على التنظم، استخدمت التقة في التزلّف والتضليل والتزور.
التلاعب بالمصطلحات والتحول من طور إلى طور هو دأب هذه الجماعة، وقد سمعنا ما قاله شيخ «النهضة» الثاني عبد الفتاح مورو الذي بيَّن: «قرّرت الانسحاب من العمل السياسي والانصراف إلى مشاغل أخرى لها علاقة بالشأن العام»، وإن كنا لا نعرف مفهوم «الشأن العام» عند مورو بمعزل عن السياسة، إلا إذا كان الشأن العام عند مورو هو بمثابة ترك الباب موارباً للدخول للسياسة منه مرة أخرى، في حال اقتضت «المصلحة» ذلك، خصوصاً أنه سبق لمورو أن «استقال» من «النهضة» في عام 1991، عام التصادم مع الرئيس بن علي ليعود إليها مع «الربيع» العربي.
«النهضة» اليوم ما بين شيخ تراجع هو عبد الفتاح مورو وشيخ آخر هو الغنوشي لا يزال ممسكاً بالكرسي، رغم رفضه حتى من عدد لا يستهان به من جماعته، في ظل انقسامات واستقالات وجمع توقيعات داخل «النهضة» رافضة للغنوشي، فهل ستخلع «النهضة» عباءة جماعة «الإخوان»؟ أم ستستخدم التقية للبقاء تحت عباءة الجماعة المرتبطة بها كأفراد ببيعة؟.
لا أظن أنه من السهولة بمكان التخلص منها، ما دامت «النهضة» لا تزال رهينة لشيوخها الحاليين، وإن كانت هناك بوادر انشقاقات رافضة لزعامة الغنوشي الثالثة للحركة، التي ليس من مصلحتها «السياسية» التجديف ضد التيار التونسي الوطني لصالح جماعة خارج الوطن.