توقيت القاهرة المحلي 04:36:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماراثون جديد للحوار الليبي

  مصر اليوم -

ماراثون جديد للحوار الليبي

بقلم: د. جبريل العبيدي

تقطعت أنفاس المتحاورين الليبيين، وهي تركت لاهثة في ماراثون طويل لسنوات، بدءاً من غدامس في الصحراء الليبية الكبرى، ومروراً بمحطات جنيف المتعددة، وتوقفاً عند الصخيرات المغربية، التي أنتجت «توافقاً» لم ينفذ أغلب بنوده، بل تم اختراقها في أكثر من موضع ومرة، لتتواصل الأنفاس تلهث جرياً بين عواصم العالم من باريس، مروراً بروما، وعودة إلى باريس، وتوقفاً في أبوظبي، وعودة لباريس، ثم تنقلت بين القاهرة والجزائر وتونس، للتوقف اليوم في بوزنيقة المغربية بين الرباط والدار البيضاء.
ترك العودة إلى الصخيرات واختيار قرية بوزنيقة المغربية، وزنيقة تعني تصغير الزَّنَقة: وهو مسلكٌ أو ممرٌ ضيقٌ، فهل هي إسقاط لغوي لصعوبة وضيق المسار الليبي، أم إسقاط سياسي لملاحقة القذافي لليبيين «زنقة زنقة»، أم أنها محض الصدفة.
محطات الحوار التي يطلق عليها عادة الحوار «الليبي - ليبي»، وواقع الحال غير ذلك، فقد كانت دائماً برعاية الأطراف المتدخلة في الأزمة الليبية لإجهاضها، خصوصاً تركيا وقطر، فبمجرد انعقاد الحوار بين وفد من مجلس النواب ومجلس الدولة الاستشاري، طار السراج رئيس المجلس الرئاسي غير الدستوري إلى إسطنبول، لتلقي الأوامر من الباب العالي، فتركيا لا تزال تواصل عمليات نقل المرتزقة إلى ليبيا، وتعزيز وجودها من خلال السيطرة على مزيد من الموانئ والمطارات الليبية، بعد أن مكنتها حكومة «الوفاق» غير الدستورية من قاعدة الوطية الجوية ومصراتة البحرية باتفاقية تدوم 99 عاماً؛ اتفاقية وقعها من لا يملك حق التوقيع (حكومة الوفاق) لمن لا يستحق هي تركيا.
اللقاء بين وفد البرلمان المنتخب ووفد مجلس الدولة غير المنتخب وغير الدستوري، الذي هو «إخواني» بامتياز، وهو مجرد نتاج اتفاق الصخيرات، يعتبر لقاء بين كيان له شرعية انتخابية هو البرلمان، وكيان غير شرعي، يريد شرعنة الأمر، الذي لن يسهم في حل الأزمة، بل سيكون لمجرد كسب الوقت لإطالة عمر الأزمة التي تراوح بين قتل الوقت وكسبه، وبين إطالته وإضاعته في الفرعيات، فالأزمة الليبية ليست أزمة خلاف على شخوص، أو أعدادهم، كما يتم التسويق لها، وليست في أن يكون المجلس الرئاسي ثلاثة أشخاص بدلاً من تسعة، فهذا تسطيح للأزمة واختزال لها غير مقبول.
اللقاء بين الوفدين قد لا ينتج حلاً عملياً، لكون كلا الطرفين لا يملك السلطة على المتحاربين على الأرض، وبالتالي ما لم تكن هناك نية وإرادة دولية لإنهاء فوضى السلاح والميليشيات في ليبيا، يصبح مثل هذه اللقاءات مجرد ماراثون تنقطع فيه الأنفاس في زمن «كورونا»، التي نحتاج فيه لأنفاسنا سليمة للبقاء أحياء.
يخطئ من يظن أن الأزمة الليبية هي أزمة شخوص أو أشخاص، بل هي أزمة صراع وهيمنة آيديولوجيات متطرفة بوجوه متعددة قابلة للإنبات والتغيير، وبالتالي لن تحل الأزمة الليبية فقط بتغيير الشخوص.
فالأزمة الليبية هي أزمة أمنية بامتياز، وأية حلول أو خرائط طرق أو طريق لا تتضمن حلاً وتفكيكاً للميليشيات، وإخراج المرتزقة الأجانب، هو حرث في البحر، وجري خلف السراب.
حوار بوزنيقة بين وفدي البرلمان ومجلس الدولة، استبقه البرلمان ومجلس الدولة بالتنصل مما قد ينتج عن هذا اللقاء، معتبرين أنه مجرد لقاء حسن نية لا غير، الأمر الذي لا يمكن تصديقه، خصوصاً مع مجلس الدولة «الإخواني»، الذي تشكَّل بمخالفة وخرق لاتفاق الصخيرات، وأصبح يمثل طيفاً واحداً، وهو جماعة «الإخوان» التي كانت في المؤتمر الوطني السابق، الذي اعتاد على ممارسة «التقية» السياسية في تعامله مع خصومه، والتلون في المواقف والتنكر لأي اتفاقات، فما بالك بتفاهمات أعلن مبكراً عن تنصله منها بالقول إن وفده غير مكلف من المجلس، ولا يملك حق التوقيع، في عملية استباقية لأي نتائج قد لا تخدم مصلحته، وهذا يؤكد أن جلوس الطرفين في بوزنيقة المغربية كان لضغوط خارجية، فحضر الطرفان لتمثيل إثبات الحضور من دون الاهتمام بالنتائج في ماراثون النفس الأخير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماراثون جديد للحوار الليبي ماراثون جديد للحوار الليبي



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 04:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم
  مصر اليوم - القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 18:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
  مصر اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب

GMT 11:04 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

منة فضالي جمهورها بمناسبة عيد الأضحى
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon