بقلم: د. جبريل العبيدي
اختيار السلام خطوة شجاعة ومتقدمة، خاصة إذا جنح الطرف الآخر للسلام، فالإمارات والبحرين كانتا ولا تزالان الدعم والرافد الرئيسي للقضية الفلسطينية لأكثر من نصف قرن، وحل الدولتين الذي ارتضته السلطة الفلسطينية ممثل الشعب الفلسطيني، وبالتالي أي خطوة سلام تتماشى وتتفق مع حل الدولتين تعتبر مرحباً بها.
إسرائيل الآن كيان جيوسياسي بقرار من الأمم المتحدة، واعتراف جميع الدول الكبرى شئنا أم أبينا، ولا يمكن إنكار وجوده بانتظار رميه في البحر، ولذلك من الواقعية التعاطي مع هذا الكيان، بدل الهروب إلى الأمام، أو انتظار أشياء لا نعلم نتائجها، خاصة في ظل اختلال ميزان القوة، وكذلك في وجود دول كبرى داعمة للتفوق العسكري الإسرائيلي.
اختيار السلام بقدر ما هو شجاعة هو قرار سيادي بالدرجة الأولى، ولا يحق لأحد خارج الدولتين أن يعترض على قرار سيادي لهما، وأعتقد أن خطاب التخوين والخطاب العنتري والمتخشب، لا يحقق أي شيء، كما أنَّه قد انتهى زمنه في ظل استطاعة الشعوب تحقيق مطالبها بالسلام والحوار، والالتفات إلى بناء التقدم والازدهار.
السلام مع إسرائيل لا يعني الاستسلام والتفريط في الحق الفلسطيني، وإلا اعتبرنا معاهدة غزة وأريحا ضياعاً للحق الفلسطيني، خاصة أن الإسرائيليين يرددون في كتبهم «ملعون من يبني حجراً في أريحا»، والتي وُقعت وأنتجت السلطة الفلسطينية وحكماً محلياً ضعيفاً ومنقسماً، وليس حل الدولتين الأمر المختلف في اتفاق السلام الإماراتي البحريني مع إسرائيل، إذ أكدت كلتا الدولتين حق الدولتين ووقف وتعليق ضم الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي يعتبر متقدماً على اتفاق أوسلو الفلسطيني الإسرائيلي.
فلا يمكن أن نحلل ونبيح للفلسطينيين الجلوس والتفاوض وإبرام اتفاقات سلام مع الإسرائيليين، والقبول بالقسمة الضيزى (غزة وأريحا) وتحريم ذلك على الآخرين، الذين جلبوا مساحة أكبر وحل الدولتين بحدود عام 1967.
من حق الدول ذات السيادة ممارسة حقها السيادي بين خياري الحرب والسلام، فاختيار الإمارات والبحرين السلام مع الجنوح الإسرائيلي نحو السلام يعتبر خطوة مهمة نحو التقدم في حل الدولتين بالحوار والتفاوض، خاصة أن الداخل الإسرائيلي المشحون سابقاً بعداوة العرب أصبح مقتنعاً بحل الدولتين، لتحقيق سلام دائم باستثناء المتطرفين الذين لا ننكر وجودهم في الضفتين الإسرائيلية والعربية.
اتفاق الإمارات والبحرين ليس الاتفاق اليتيم، بل سبقته اتفاقات كثيرة من كامب ديفيد إلى وادي عربة مروراً بأوسلو، وجميعها استطاع أصحابها استعادة الأراضي العربية المحتلة بالسلام وليس بالحروب، وهذه حقيقة لا نستطيع القفز عليها، فالحروب مع إسرائيل كانت أغلبها بخسارة الأراضي العربية لا استعادتها، وهذا الكلام لا أقبل تفسيره على أنه فاتورة مجانية للتطبيع، بالعكس ولكنَّه قراءة واقعية لمشهدية الحرب والسلم مع إسرائيل.
وحتى لا نفرط في التفاؤل تبقى الاتفاقات رهينة إرادة المتفقين في تحقيق السلام، وهنا تصبح إسرائيل أمام اختبار حقيقي في تحقيق السلام، وإسكات البنادق والمدافع وجرافات الأراضي، خاصة الموجهة صوب الفلسطينيين، والسعي الحقيقي نحو حل الدولتين الذي أثبتت الوقائع والظروف أنه الحل الأنجع للطرفين، في ظل التعنت على يهودية إسرائيل، الأمر الذي لا يستقيم حله إلا مع حل الدولتين المتجاورتين، وهو ما ذهب إليه اتفاق السلام الإماراتي البحريني مع إسرائيل.
اختيار السلام مع من يجنح للسلم لا يمكن أن يكون خياراً خاطئاً، كما أنَّ أغلبية القوى الفلسطينية قبلت بحل الدولتين على حدود عام 1967.