بقلم: جبريل العبيدي
هناك فرق كبير بين أن تكون مذيعاً ناجحاً، أو مقدم سهرة أو برامج تفاعلية، مطلق العنان تخلط المزاح بالجد والمصدوق بالمكذوب، وبين أن تكون سياسياً تحمل توجه دولة من خلال حكومة، ينبغي عليك احترام توجهات حكومة بلدك، ولا تخلط الشخصي بالعام، فذلك توهان شخصية.
الكثير ممن جاءوا من خلفية مهنية لحقيبة وزارية، فشلوا في الأداء الوزاري، بل وكثير منهم تسببوا في مشاكل لبلدانهم جراء قراءات خاطئة وتفسيرات أحادية بعين عوراء، أو تسطيح لفكرة أو أزمة.
لعل ما صدر عن وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، من تصريحات جاءت من خلفية مغلوطة، ومعلومات مكذوبة، بل وتسطيح لحقيقة الأزمة، وتجاهل مسبباتها واستمرارها، مما يعكس نية عدائية منحازة مسبقة، وموقفاً غير مقبول من شخص في منصب وزير إعلام، يُعد ناطقاً رسمياً باسم الحكومة.
الوزير قرداحي قال إن «الحوثيين يدافعون عن أنفسهم ولا يعتدون على أحد»، بقي السؤال إذن من يطلق الصواريخ على مطار أبها وما جاورها؟ بل من أطلق الصواريخ على مكة المكرمة؟! وكيف أن الحوثيين يدافعون عن أنفسهم؟! هم قلة تستحوذ على بلد أقصت جميع اليمنيين.
تصريحات قرداحي تعد خاطئة بل وغير منصفة لتحليل الأزمة، بل وتجعل الحكومة اللبنانية في أزمة كونه وزير إعلام فيها. صحيح أن الحكومة اللبنانية تبرأت من تصريحاته، واعتبرتها شخصية لا تعبر عن موقف الحكومة اللبنانية، ولكن يبقى على الوزير الاعتذار عن الخطأ وتصحيح الموقف، فتجاهل الأزمة اليمنية وتجاهل إرهاب ميليشيات الحوثي، وتجاهل الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تطلقها ميليشيات الحوثي، تعتبر كارثة مهنية (إعلامية) كون الوزير صاحب اختصاص إعلامي ينبغي أن يكون مهنياً وحيادياً وشفافاً، الأمر الذي تجاهله الوزير قرداحي.
مجاملة إيران وميليشيا «حزب الله» وأصحاب ما يسمى «الخليج الفارسي» على حساب الخليج العربي الامتداد الطبيعي للبنان هو كارثة أخرى عبّرت عنها تصريحات قرداحي التي لم يراع فيها الدبلوماسية قبل المهنية، فالوزير غابت عن تصريحاته المهنية «الإعلامية» والدبلوماسية «السياسية» مما يؤكد فقدانه للخبرة السياسية قبل المهنية في التعاطي مع منصبه الجديد الذي لم يجعله يتخلص من عقدة ميكرفون المذيع أو المنشط الإعلامي في برامج السهرة.
ما حدث يؤكد حالة من التوهان بين شخصية المذيع لسنوات طويلة وشخصية السياسي لبضعة أيام، فضاعت الكلمات وتاهت منه الحكمة في تقديم مصلحة لبنان أولاً على أي مصلحة حزبية أو فئوية ضارة بلبنان والشعب اللبناني ومصالحه لصالح جماعة أو فئة ارتباطها خارجي قبل أن يكون لها مصلحة داخلية.
العلاقات الخليجية مع لبنان كانت ولا تزال تنطلق من ثوابت عربية، تراعى فيها مصلحة لبنان وعدم التدخل في شؤونه الداخلية وترك لبنان للبنانيين، حتى في زمن الحرب الأهلية لم تتدخل دول الخليج في الحرب، بل كانت راعية للسلام. واتفاق الطائف الذي أوقف الحرب ومكّن طوائف لبنان من تقاسم السلطة، الذي استمر العمل به حتى اليوم، وهو من جعل من قرداحي وزيراً، كان برعاية خليجية.
التطاول على من صنع السلام وأوقف الحرب الأهلية في لبنان يعتبر نكران جميل، فالحرب الأهلية التي كانت تغذيها إيران وإسرائيل وآخرون بالسلام والمال، أوقفها اتفاق الطائف، ولم يوقفها الولي الفقيه الإيراني.
الأزمة اليمنية التي هي محل تصريحات الوزير قرداحي، كانت قراءة الوزير لها خاطئة، بل سطّح الأزمة من أساسها، فالوزير ليس بالخبير السياسي ولا بالمحلل السياسي المعروف، فهو رجل إعلامي ومذيع سابق، وبالتالي تحليل أزمة مثل الأزمة اليمنية التي ترجع جذورها إلى الستينات من القرن الماضي لا يمكن تسطيحها بهذا الشكل والقفز على الحقائق، فذلك سيكون في خانة التضليل والخداع الإعلامي.
المملكة العربية السعودية كانت ولا تزال عامل استقرار في المنطقة، فالسعودية هي من صنعت السلام في لبنان، وهي من شاركت في توحيد اليمن بعد أن كان يمنين، وهي من وجدت بحجم قيادي ووزاري كبير في جميع اجتماعات استقرار ليبيا، وبالتالي من العدل ألا يتم تجاهل هذا الدور المحوري، وتسطيح الأزمة اليمنية، وتناسي أن من حق السعودية الدفاع وحماية مواطنيها من صواريخ إيران الباليستية والمسيّرة التي تطلقها ميليشيات الحوثي على المدنيين والمطارات المدنية، وهي التي تجاهلها قرداحي في تصريحاته.