بقلم: د. جبريل العبيدي
ولادة عسيرة لحكومة الوحدة الوطنية بعد مخاض عسير شهدته مدينة سرت التي شهدت توحد الليبيين مرتين في الماضي؛ في القرضابية زمن الاستعمار الإيطالي، واليوم بعد حرب السنوات الست.
البرلمان رغم الجدل حوله وحالة الانقسام التي كان يعاني منها والضعف السياسي، والتراخي لبعض شخوصه، فإنه أثبت أنه برلمان الأمة ومنح الثقة للحكومة، بأغلبية 132 صوتاً واعتراض صوت واحد وغياب المتبقي من 180 نائباً، بعد جدل وتشكيك طغيا الأيام السابقة لمنح الثقة، خاصة بعد أن عرضت حكومة الأربعين وزيراً لمدة تسعة أشهر بميزانية تقترب من مائة مليار دينار، لا يمكن أن يكون هدفها الخروج والتسليم بعد تسعة أشهر هي مدتها المنصوص عليها في الاتفاق السياسي الليبي في جنيف، بل شكك البعض بالقول «هي باقية وتتمدد».
تشكيل الحكومة يصفه البعض بالترضيات القبلية والجهوية على حساب الكفاءة والمهنية؛ لأنَّ الإرادة الشعبية ترغب في حكومة تكنوقراط، بينما بعض النافذين سياسياً يريدونها حكومة محاصصة قبلية وجهوية في توزيع حقائبها، فهل ستكون حقاً حكومة وحدة وطنية؟ فتشكيلة حكومية وفق محاصصة قبلية وجهوية يجعل منها في نظر المراقبين حكومة غير متوائمة، فالبلاد المنقسمة سياسياً تواجه خطر التقسيم الجغرافي، إلا أن ليبيا التي كانت في ولادة عسيرة بعد مخاض حرب استقلال ضد المستعمرين لسنوات طويلة، وحرب أخرى على الإرها، فرضت عليها وقدمت فيها خيرة أبنائها، لن تكون لقمة سائغة لأي مشاريع دولية أو إقليمية.
حكومة الوحدة الوطنية اختصاصها الأصيل هو الخروج بالبلاد من أزمتها السياسية، كما أن توحيد المؤسسة العسكرية وحل الميليشيات وتفكيكها من أولوياتها، وأيضاً البدء في مشروع مصالحة وطنية وتحقيق الاستحقاق الانتخابي في ديسمبر (كانون الأول) المقبل في ذكرى تأسيس الدولة الليبية فقط لا غير، فهي ليست حكومة مشاريع تنموية لتصرف قرابة مائة مليار دينار.
حكومة كبيرة موسعة لفترة قصيرة يشكو كثيرون من غياب التوزيع العادل فيها والمرضي للجميع، خاصة أنها حكومة محاصصة، ستواجه مشاكل قانونية دستورية ولا سيما أنها منحت الثقة قبل تضمين الاتفاق السياسي للإعلان الدستوري (الدستور المؤقت)، وربما من ثم تواجه إشكالاً دستورياً رغم منحها الثقة من قبل مجلس النواب بأغلبية مريحة.
الحكومة أمامها أولويات منها إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب وحل وتفكيك الميليشيات وحصر السلاح تحت سلطة الدولة والالتزام بموعد الانتخابات وتسليم السلطة في موعدها بعد التحجج بذرائع للمماطلة في تسليم السلطة، خاصة بعد أن تعهد رئيسها الممنوح الثقة حديثاً تنفيذ الاستحقاق الانتخابي في موعده بلا مماطلة، إلا أن هذا الأمر يواجه عقبة مهمة هي التوافق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات من دون طعون يلوّح بها البعض قبل انطلاق الاستحقاق الانتخابي.
رغم أن أياماً قليلة تفصلنا عن نشر وتعميم تقرير اللجنة الخاصة بمجلس الأمن التي تحقق في مزاعم بوجود رشى قدمت لأعضاء الحوار السياسي في جنيف، فإن الحكومة منحت الثقة بأغلبية في خطوة استباقية للتقرير، بل ومباركة جاءت وتقاطرت من كل حدب وصوب، من بينها مباركة السفارة الأميركية - التي لم تكن غائبة عن مسرح وحلبة تشكيل الحكومة - لمنح الثقة قائلة إنها تمهد الطريق أمام الانتخابات القادمة.
أياً كانت التكهنات لنتيجة التقرير الدولي، فليبيا اليوم تتجه نحو استعادة الدولة الموحدة بدءاً بحكومة موحدة وإن كانت حكومة محاصصة فرضتها الوقائع على الأرض ونتيجة طبيعية لحالة من الاحتراب سنوات وحالة غياب الثقة بين أطراف الصراع، مما يجعل مشاركة الجميع في الحكومة حالة طمأنة للجميع.
ليبيا اليوم تشهد تحولات مهمة، فمدينة سرت التي كانت ولاية لـ(داعش) هي اليوم تشهد منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية، ومنذ أيام شهدت مدينة درنة معرضاً كبيراً للكتاب ومهرجاناً ثقافياً في الساحة التي حولها (داعش) ساحة للإعدامات والجلد والسحل.
ولادة حكومة موحدة خطوة إيجابية نحو الانتقال بليبيا من حالة الفوضى والانقسام إلى مرحلة الدولة والاستقرار وحصر الخلاف والاختلاف السياسي تحت قبة البرلمان والتوقف عن الاحتراب.