بقلم: د. جبريل العبيدي
أزمة ثقة تطفو على السطح بين الليبيين ممثلين في النخب الوطنية، وبين بعثة الأمم المتحدة، بعد إصدارها قائمة المشاركين في الحوار الليبي المقبل في تونس، وهي قائمة غلب عليها طيف واحد؛ هو أنصار وممثلو وقيادات جماعة الإخوان، بل ومن يجاهر بالانتماء صراحة.. جاءت أسماؤهم على أنهم «مستقلون»، الأمر الذي أكد اختراق البعثة من قبل هؤلاء.
التحيز وعدم توازن التمثيل في قائمة الأمم المتحدة لاقى اعتراضاً واسعاً حتى من ممثلي القبائل الليبية، حيث اعتبره المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية، عملية إقصاء وتهميش للقبائل ومحاباة لجماعة الإخوان المسلمين.
التمثيل الواسع للإخوان، في قائمة الحوار الذي دعت إليه الأمم المتحدة يضع الحصان أمام العربة، ويضع مزيداً من العصي بين دواليبها، خاصة بعد تغييب أطياف مهمة من الشعب الليبي، لا سيما من فزان وبرقة، في مقابل تمثيل واسع لجماعات الإسلام السياسي، خصوصاً جماعة الإخوان، بل إن القائمة شملت شخصيات جدلية كانت ولا تزال تجاهر بدعم الفوضى والإرهاب.
صمت البعثة عن المعايير التي اتبعتها في اختيار الأسماء، يهدد ويضر بمصداقية الاختيار وشفافيته، لأن القائمة ليست سراً فقد ظهرت للواقع، والأسماء الجدلية والتمثيل غير المتوازن واضح ولا يمكن للبعثة نفي ذلك، الأمر الذي دفع بكثير من الشخصيات الليبية إلى مطالبة البعثة بسحب القائمة وإعادة النظر فيها.
ونظراً لتاريخ طويل ومتكرر مع الأمم المتحدة، أصبحت هناك حالة من التخوف والقلق، بل وأحياناً الريبة عند الليبيين، لدرجة أن أغلبهم لا يثقون أو يعولون كثيراً على قرارات الأمم المتحدة وبعثاتها، خصوصاً أن البعثة بعد عام 2011 شابها لغط كبير رغم تغير وتجدد رؤسائها، إلا أن المساعدين والموظفين لم يتغيروا كثيراً، لدرجة أن بعضهم يتهم من قبل البعض من النخب الليبية بالانحياز لجماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي ظهر جلياً في اختيار البعثة لعدد 75 محاوراً ليبياً، غلبت عليهم سمة الانتماء أو التوافق مع جماعة الإخوان ومشروعهم، ما دفع بعض الذين شعروا بالقسمة الضيزي في التمثيل إلى الانسحاب، نظراً لأن النتائج ستكون في هذه الحال في صالح جماعة الإخوان.
البعثة الأممية أمام اختبار خطير، خصوصاً أن التمثيل الكبير لجماعة الإخوان في قائمة الحوار التي اختارتها البعثة يظهر ويؤكد حالة الانحياز لجماعة لا تمثل 5 في المائة من سكان ليبيا، كما أن تركيز البعثة عند اختيار أعضاء الحوار السياسي على تيارات وجماعات «سياسية» لا تمثل الشعب الليبي وليس لها حضور يذكر، هو اختيار خاطئ لن يساعد على حل الأزمة، بل سيطيل من عمرها وسيزيد من معاناة الشعب الليبي الذي يراد أن تُفرض عليه جماعة الإخوان كشريك في الحكم أولاً، ومن ثم بعد تمكنها من مفاصل الدولة، تصبح هي الحاكم الفعلي والأوحد كما هو نهجها دائماً.
ليبيا منذ إعلان تأسيسها كدولة حديثة، منذ عام 1949، وهناك محاولات لتقسيمها إلى دول ثلاث ضمن اتفاق بيفن سفورزا (توضع أقاليم ليبيا الثلاثة تحت وصاية دولية)، ثم التدخل السافر عام 2011 المشرعن بالناتو الذي بدلاً من أن تنحصر مهمته في حماية المدنيين، انتهت مهمته إلى إسقاط الدولة الليبية وفتح مخازن السلاح بدلاً من تدميرها، ما تسبب في انتشار أكثر من ثلاثين مليون قطعة سلاح بين جماعات وتنظيمات تسللت إلي ليبيا أمام مرأى ومسمع الأمم المتحدة التي استخدمت الفصل السابع بازدواجية معايير، فيما سمته حماية المدنيين، الذين خشيت عليهم من رتل القذافي المتجه نحو بنغازي ولم يصل إليها، بينما لم تخشَ الأمم المتحدة على المدنيين من جرائم «داعش» أيام كان يذبح ويسحل ويحرق الليبيين في درنة وبنغازي وسرت.
التحيز وعدم توازن قائمة البعثة الأممية للحوار الليبي سيشكلان عقبة كبيرة أمام أي مخرجات ستنتهي إليها حوارات تمت بالمغالبة والمحاباة وتهميش الآخر برعاية وإشراف وتدخل مباشر من بعثة المفترض أنها تمارس الحيادية لا الوصاية والتدخل في شأن شعب ودولة عضو في الأمم المتحدة.