بقلم - د. جبريل العبيدي
ليبيا بأرضها وصحرائها المترامية الأطراف لم يتم مسحها مسحاً شاملاً بعد، فهي تحتوي على ثروات ضخمة ما زالت في باطن الأرض. هناك ذهب ويورانيوم ومعادن أخرى لا تحصى، خصوصاً في جنوب البلاد.
ليبيا تمتلك ثروة نفطية كبيرة، لكنها ثروة تستنزف وتنهب صباح مساء، خصوصاً في ظل هذه الفوضى العارمة التي استأصلت كل شيء. لذا فإني أوجه هذا الكلام لمن يهمه أمر ليبيا وأمر العرب، إن هذه الحالة البائسة في ليبيا يجب أن تتوقف فوراً، وأن يتوافق أهل ليبيا على كلمة سواء قبل فوات الأوان، وقبل أن تصبح ليبيا بقعة يابسة.
لا بدّ من السرعة في توظيف هذه الثروة في بناء بنية تحتية كبرى، تستطيع من خلالها البلاد أن تنهض نهوضاَ عظيماً. بثروة النفط تستطيع ليبيا أن تستغل الساحل الطويل الجميل لديها على البحر المتوسط المهمل إلى حد الآن، والمفتقر لأدنى المتطلبات. ولو استغل هذا الشاطئ في مشاريع سياحية عملاقة لكفاها حتى عن النفط.
لذا فإن الليبيين ينبغي أن يعوا أن النفط لا محالة زائل، ويجب استغلال عائداته الآن، وبأقصى سرعة، في بناء البلد المتهالك والمدمر، ويكفوا عن هذا التجاذب والتناحر على السلطة، ويؤمنوا مستقبل الأجيال القادمة.
ينبغي الإسراع في إقامة مشاريع عملاقة من عائدات النفط، فلا بد من الاستثمار في الطاقة الشمسية والنفط الصخري والسياحة والصيد البحري، وهي مصادر بديلة ممكنة عند نضوب النفط. رغم أن احتياطيات النفط في ليبيا هي الأكبر في قارة أفريقيا مع زهد تكاليف إنتاج النفط، وقربها من الأسواق الأوروبية، ولكن هذا لن يحدث نقلة نوعية، إلا إذا تم الاستثمار فيه منذ الآن، وقبل نضوبه أو إيجاد بديل له من أجل تحقيق تنمية مستدامة، وتحقيق اقتصاد إنتاجي بدل الاقتصاد الريعي الحالي، الذي أفلس بالبلاد، وخلق حالة من الكسل والتكاسل في المجتمع.
ليبيا والنفط معادلة صعبة الاتزان والاستقرار، بسبب تدخلات مافيا النفط، التي جعلت من نفسها صاحبة النفط الليبي، والليبيين مجرد خفراء عليه، وليست هي مجرد شريك في إنتاجه، وفق عقود تنقيب وإنتاج متعارف عليها دولياً، ولهذا كانت الشركات النفطية في ليبيا بمثابة حكومة الظل والدولة العميقة التي تتحكم في مصير البلد، فأصبحت بذلك لعنة النفط تلاحق ليبيا منذ اكتشافه في 1961، في القرن الماضي، حيث تسببت حينها في إنهاء حالة الاتحاد الفيدرالي بين الأقاليم التاريخية الثلاثة (برقة وفزان وطرابلس)، بمرسوم ملكي دون استفاء عام، وكان بناءً على توصية من الشركات النفطية، ومنها شركة «أوكسيدينتال»، رغم أن حالة الاتحاد الفيدرالي ضمنها الآباء المؤسسون في دستور البلاد عام 1951، مما تسبب في سيطرة حكومة المركز، وتهميش باقي الأقاليم، وحتى التي يوجد فيها النفط، مما أدى إلى حالة من الغضب والاستنكار لسياسات حكومة المركز غير العادلة.
لعنة النفط لم تتوقف عند حالة الاتحاد، بل تسببت في نهاية الحكم الملكي في ليبيا، والدور الذي لعبه أرماند هامر اليهودي الروسي وصاحب شركة «أوكسيدنتال» (ليبيا) للتنقيب عن النفط، التي وصفها السفير الأميركي ديفيد نيوسوم آنذاك بـ«أنها شركة البترول الوطنية لإسرائيل»، وأنها غير مرحب بها في ليبيا من قبل الشركات المنافسة الأخرى، كما جاء في مذكرات هامر، في إشارة منها لهوية الشركة الحقيقية، التي تمكنت من الحصول على امتيازات للتنقيب من دون عناء منافسة حقيقية.
لعنة النفط لم تتوقف، بل طالت مقتل خبير النفط والاقتصاد الإصلاحي الليبي شكري غانم، «الميت الذي ما زال يتكلم»، كما كتبت صحيفة «لوموند» الفرنسية. شكري غانم ضحية النفط، الذي كان مصيره الغرق في نهر الدانوب في فيينا عقب سقوط نظام القذافي، والذي قيل إن مقتله كان ضرورة لإغلاق ملف وإخفاء أثر بعد عين للعديد من الملفات، التي لها تبعات في الملف النفطي الشائك، وغيره من الملفات، خصوصاً الاقتصادية، فهو آخر وزير نفط ليبي في زمن القذافي.
لعنة النفط هي أيضاً وراء التدخل العسكري، الذي أسقط الدولة والنظام معاً، وتسبب في حالة فوضى لا تزال تنشط في ليبيا منذ عام 2011، وكان التدخل بحجة حماية المدنيين عبر قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، التي نراها لا تنفذ في كثير من دول العالم.
لا أحد يرغب في إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد الليبي بالتنمية المستدامة (Sustainable development)، التي جاء تعريفها «التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحالي دون الإضرار بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة»، باستثناء بعض جراحات التجميل الطفيفة التي حدثت في الماضي، ومنها الاستثمارات الخارجية، التي لا تزال تصبّ خارج الخزينة الليبية، وما يهدر عليها من أموال يجعلها في حالة خسارة دائمة، لا يمكن لها أن تكون المصدر الآمن البديل، في حال نضوب النفط الذي لا محالة زائل.
فهل من منقذ لهذا البلد المنكوب؟
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع