توقيت القاهرة المحلي 16:28:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليبيا... صراع القوى وبدائل النفط

  مصر اليوم -

ليبيا صراع القوى وبدائل النفط

بقلم - د. جبريل العبيدي

ليبيا بأرضها وصحرائها المترامية الأطراف لم يتم مسحها مسحاً شاملاً بعد، فهي تحتوي على ثروات ضخمة ما زالت في باطن الأرض. هناك ذهب ويورانيوم ومعادن أخرى لا تحصى، خصوصاً في جنوب البلاد.
ليبيا تمتلك ثروة نفطية كبيرة، لكنها ثروة تستنزف وتنهب صباح مساء، خصوصاً في ظل هذه الفوضى العارمة التي استأصلت كل شيء. لذا فإني أوجه هذا الكلام لمن يهمه أمر ليبيا وأمر العرب، إن هذه الحالة البائسة في ليبيا يجب أن تتوقف فوراً، وأن يتوافق أهل ليبيا على كلمة سواء قبل فوات الأوان، وقبل أن تصبح ليبيا بقعة يابسة.
لا بدّ من السرعة في توظيف هذه الثروة في بناء بنية تحتية كبرى، تستطيع من خلالها البلاد أن تنهض نهوضاَ عظيماً. بثروة النفط تستطيع ليبيا أن تستغل الساحل الطويل الجميل لديها على البحر المتوسط المهمل إلى حد الآن، والمفتقر لأدنى المتطلبات. ولو استغل هذا الشاطئ في مشاريع سياحية عملاقة لكفاها حتى عن النفط.
لذا فإن الليبيين ينبغي أن يعوا أن النفط لا محالة زائل، ويجب استغلال عائداته الآن، وبأقصى سرعة، في بناء البلد المتهالك والمدمر، ويكفوا عن هذا التجاذب والتناحر على السلطة، ويؤمنوا مستقبل الأجيال القادمة.
ينبغي الإسراع في إقامة مشاريع عملاقة من عائدات النفط، فلا بد من الاستثمار في الطاقة الشمسية والنفط الصخري والسياحة والصيد البحري، وهي مصادر بديلة ممكنة عند نضوب النفط. رغم أن احتياطيات النفط في ليبيا هي الأكبر في قارة أفريقيا مع زهد تكاليف إنتاج النفط، وقربها من الأسواق الأوروبية، ولكن هذا لن يحدث نقلة نوعية، إلا إذا تم الاستثمار فيه منذ الآن، وقبل نضوبه أو إيجاد بديل له من أجل تحقيق تنمية مستدامة، وتحقيق اقتصاد إنتاجي بدل الاقتصاد الريعي الحالي، الذي أفلس بالبلاد، وخلق حالة من الكسل والتكاسل في المجتمع.
ليبيا والنفط معادلة صعبة الاتزان والاستقرار، بسبب تدخلات مافيا النفط، التي جعلت من نفسها صاحبة النفط الليبي، والليبيين مجرد خفراء عليه، وليست هي مجرد شريك في إنتاجه، وفق عقود تنقيب وإنتاج متعارف عليها دولياً، ولهذا كانت الشركات النفطية في ليبيا بمثابة حكومة الظل والدولة العميقة التي تتحكم في مصير البلد، فأصبحت بذلك لعنة النفط تلاحق ليبيا منذ اكتشافه في 1961، في القرن الماضي، حيث تسببت حينها في إنهاء حالة الاتحاد الفيدرالي بين الأقاليم التاريخية الثلاثة (برقة وفزان وطرابلس)، بمرسوم ملكي دون استفاء عام، وكان بناءً على توصية من الشركات النفطية، ومنها شركة «أوكسيدينتال»، رغم أن حالة الاتحاد الفيدرالي ضمنها الآباء المؤسسون في دستور البلاد عام 1951، مما تسبب في سيطرة حكومة المركز، وتهميش باقي الأقاليم، وحتى التي يوجد فيها النفط، مما أدى إلى حالة من الغضب والاستنكار لسياسات حكومة المركز غير العادلة.
لعنة النفط لم تتوقف عند حالة الاتحاد، بل تسببت في نهاية الحكم الملكي في ليبيا، والدور الذي لعبه أرماند هامر اليهودي الروسي وصاحب شركة «أوكسيدنتال» (ليبيا) للتنقيب عن النفط، التي وصفها السفير الأميركي ديفيد نيوسوم آنذاك بـ«أنها شركة البترول الوطنية لإسرائيل»، وأنها غير مرحب بها في ليبيا من قبل الشركات المنافسة الأخرى، كما جاء في مذكرات هامر، في إشارة منها لهوية الشركة الحقيقية، التي تمكنت من الحصول على امتيازات للتنقيب من دون عناء منافسة حقيقية.
لعنة النفط لم تتوقف، بل طالت مقتل خبير النفط والاقتصاد الإصلاحي الليبي شكري غانم، «الميت الذي ما زال يتكلم»، كما كتبت صحيفة «لوموند» الفرنسية. شكري غانم ضحية النفط، الذي كان مصيره الغرق في نهر الدانوب في فيينا عقب سقوط نظام القذافي، والذي قيل إن مقتله كان ضرورة لإغلاق ملف وإخفاء أثر بعد عين للعديد من الملفات، التي لها تبعات في الملف النفطي الشائك، وغيره من الملفات، خصوصاً الاقتصادية، فهو آخر وزير نفط ليبي في زمن القذافي.
لعنة النفط هي أيضاً وراء التدخل العسكري، الذي أسقط الدولة والنظام معاً، وتسبب في حالة فوضى لا تزال تنشط في ليبيا منذ عام 2011، وكان التدخل بحجة حماية المدنيين عبر قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، التي نراها لا تنفذ في كثير من دول العالم.
لا أحد يرغب في إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد الليبي بالتنمية المستدامة (Sustainable development)، التي جاء تعريفها «التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحالي دون الإضرار بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة»، باستثناء بعض جراحات التجميل الطفيفة التي حدثت في الماضي، ومنها الاستثمارات الخارجية، التي لا تزال تصبّ خارج الخزينة الليبية، وما يهدر عليها من أموال يجعلها في حالة خسارة دائمة، لا يمكن لها أن تكون المصدر الآمن البديل، في حال نضوب النفط الذي لا محالة زائل.
فهل من منقذ لهذا البلد المنكوب؟

نقلا عن الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا صراع القوى وبدائل النفط ليبيا صراع القوى وبدائل النفط



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon