بقلم: د. جبريل العبيدي
ليبيا البلد المنكوب بالفوضى والميليشيات لأكثر من عشر سنوات عجاف، كان للمجتمع الدولي والأمم المتحدة الجزء الأكبر في التسبب في أزمته بقرارات أسقطت الدولة الليبية وليس فقط نظام القذافي في عام 2011، وتدمير جميع معسكرات الجيش الليبي وقواعده بضربات حلف الأطلسي، وترك ليبيا رهينة الفوضى وانتشار السلاح من دون أي خطة دولية لجمعه واستعادة الدولة، الأمر الذي جعل ليبيا رهينة لميليشيات وجماعات أغلبهما عابرة للحدود كـ«جماعة الإخوان» بوجهيها «القاعدة» و«داعش».
ليبيا اليوم ترسف تحت وطأة الفوضى الممنهجة تُنهب وليست تُسرق فقط، فبعد تصريحات المبعوث الدولي السابق غسان سلامة التي قال فيها: «لا يمكن حل الصراع من دون القضاء على نهب المال العام والاقتصاد الأسود في البلاد... (وبها) مليونير جديد يظهر كل يوم نتيجة فساد يندى له الجبين»، تأتي تصريحات صنع الله «رئيس» مؤسسة النفط الليبية، بالقول إن البنك المركزي أهدر نصف تريليون دولار خلال السنوات الماضية من عائدات النفط، وإن الأموال تذهب إلى «جهات غير معلومة»، الأمر الذي يؤكد حالة النهب الممنهج الذي تحدث عنه المبعوث الدولي السابق غسان سلامة، الذي ترك منصبه في ليبيا لأسباب ظاهرها صحية وباطنها عبَّر عنها في تغريدة له قال فيها: «ليبيا ولبنان ليست أحرف الهجاء ما يجمع بينهما فقط، بل هي معاناة الحرب، والصراع بالوكالة على أرضيهما».
اتهامات رئيس مؤسسة النفط الليبية للبنك المركزي، المسيطَر عليه من مواليين لتنظيم الإخوان، بإهدار الأموال، جاءت لتؤكد الاتهامات للبنك المركزي بعد مطالبات كثيرة بعدم إيداع عائدات النفط الليبي في مصرف ليبيا المركزي الذي تسيطر عليه جماعة الإخوان ويُتَّهم بتمويل المرتزقة ودفع مرتبات للميليشيات وفق تقارير محلية ودولية، في مقابل تقارير مفزعة لديوان المحاسبة والرقابة الليبية، تؤكد تضخم حالة الفساد بشكل مفزع ورهيب في مصروفات ومشاريع نُفّذ بعضها، وبعضها قيد الإنجاز وأخرى وهمية.
البنك المركزي المتهم بإهدار المال العام قام بتقديم وديعة مالية تجاوزت ثمانية مليارات دولار من دون أي عوائد لمدة أربع سنوات في البنوك التركية إنقاذاً لليرة التركية من السقوط، عدّها البعض «رشوة» لضمان استمرار دعم إردوغان لحكومة الوفاق غير الشرعية.
الأموال الليبية المنهوبة -وفق تقرير أوروبي نقلاً عن صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية- من العملة الصعبة الليبية المنهوبة والمهربة بيعت بقيمة تتراوح بين 20 و40% من قيمتها الاسمية للمافيا التركية، الأمر الذي يمثل كارثة نهب غير مسبوق.
كما أنه وفق مصادر مصرفية ليبية تسعى حكومة إردوغان للاستحواذ على الودائع الليبية كديون على حكومة الوفاق تتعلق بعقود التسليح وجلب المرتزقة وعلاج جرحى الميليشيات بالمستشفيات التركية.
ليبيا والنفط معادلة صعبة الاتزان والاستقرار، بسبب تدخلات مافيا النفط الدولية والتي جعلت من نفسها صاحبة النفط الليبي، والليبيين مجرد خفراء عليه، ومنها مقتل خبير النفط والاقتصاد شكري غانم أو «الميت الذي ما زال يتكلم» كما كتبت صحيفة «لوموند» الفرنسية، والذي كان مقتله لإغلاق ملفات وإخفاء أثر مليارات من الدولارات من أموال الشعب الليبي.
في غياب وتغييب الدولة ستبقى ليبيا تُنهب في أموالها المجمدة وغير المجمدة وحتى استثماراتها الخارجية من أطراف كثيرة، أبرزها التنظيم الدولي لجماعة «الإخوان» الذي ينظر إلى ليبيا على أنها بيت مال خاص بالجماعة لتمويل مشاريعه الإرهابية.