بقلم : د. جبريل العبيدي
«الإخوان خدعوني وخدعوا جميع الليبيين» كانت هذه التصريحات التي أغضبت وأوجعت إخوان البنا وقطب في ليبيا، والتي صدح بها رئيس المجلس الانتقالي الليبي السابق، مصطفى عبد الجليل، الذي خرج عن صمته، ووصف جماعة الإخوان بأنهم «ناكثو» العهود ولاؤهم لآيديولوجياتهم وليس للوطن، مبيناً ارتباط جماعة الإخوان باغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، عن طريق أوامر اعتقال كيدية أصدرها نائبه علي العيساوي، ونفذتها كتيبة أبوعبيدة التي أميرها الإرهابي أحمد بوختاله السجين في أميركا بتهمة اغتيال السفير الأميركي في بنغازي.
عبد الجليل أكد أن ثقته بالإخوان كانت في غير محلها، وأن محمود جبريل (رئيس وزراء فبراير) هو من دعا لإشراكهم في المجلس الانتقالي، وأن القيادي الإخواني ونيس المبروك هو من اقترح أسماء من انضموا إلى المجلس حينها، ومنهم القيادي الإخواني عبد الرزاق العرادي، والأمين بالحاج، وعبد الرزاق مختار، ومحمد الحريزي، وجميعهم ينتمون لتنظيم الإخوان، وهم من اختاروا محافظ المصرف المركزي، ليحكموا السيطرة على المال.
عبد الجليل كشف عن خداع الإخوان له في الاتفاق بينه وبينهم، لتفكيك الميليشيات وتسليم سلاحها، حيث خدعه الإخواني إسماعيل الصلابي، شقيق عراب الإخوان علي الصلابي المقرب من دولة قطر والمقيم فيها، والمطلوب دولياً على قائمة الرباعية، حيث كان الاتفاق أن يعلن عبد الجليل من على المنصة، في خطاب «التحرير»، أن ليبيا ستحكمها الشريعة، بالمقابل يقوم «الثوار» بتسليم أسلحتهم للدولة، الأمر الذي لم يحدث، وتنكر الإخوان لتعهداتهم رغم إعلان عبد الجليل أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، وأي نص يخالفه بحكم الملغى.
ومصطفى عبد الجليل هو آخر وزير عدل في زمن القذافي وكان قد انشق عنه، وتولى قيادة القيادة السياسية لحراك فبراير، ومثل البلاد رئيساً في المحافل الدولية عقب سقوط نظام القذافي، عبد الجليل الذي جرّب «الإسلام السياسي»، وهو قاضٍ وهو وزير عدل عرف عنه النزاهة والشجاعة والصدق، وخاصة في قضية سجناء سجن بوسليم وعقب خروجهم منه وتعامل معهم طيلة فترة المجلس الانتقالي، وعرف وخبر «خداعهم» والتقية السياسية التي يمارسونها، وهذا ليس واضحاً لعبد الجليل وحده.
الشواهد على خداع الإسلاميين كثيرة وعديدة، وليست خافية على أحد، ولعل خداعهم لسيف الإسلام القذافي في مشروع «ليبيا الغد» ليس ببعيد.
ومحاولة الربط الخبيثة بين تصريحات عبد الجليل، أو ظهوره على قناة محلية، لا يمكن الاستدلال بها على أنه قال هذا تحت الضغط، كما تروج أبواق الإخوان وإعلامهم الخائب، كونه سبق له في أكثر من مرة أن فتح ملفات الإخوان والإسلام السياسي في أماكن ومناسبات كثيرة، وليست هي المرة الوحيدة أو اليتيمة، فقد سبق لعبد الجليل أن انتقد الإخوان وخداعهم أثناء إقامته في تركيا، وأجبرته السلطات التركية حينها على مغادرة أراضيها بناءً على تهديد مباشر تلقاه عبد الجليل، وبالتالي فإن هذا الربط لا أساس له.
إن ما كشف عنه من جرائم اقترفها الإخوان ضد الليبيين أثناء وجودهم في المجلس الانتقالي (البرلمان والسلطة زمن فبراير) كان واجباً تاريخياً لوضع النقاط على الحروف.
قد تكون تصريحات عبد الجليل شهادة على مرحلة حبلى بالأسرار، ويبدو أن الكشف عنها قد أوجع إخوان البنا وقطب، رغم أنها كانت مشحونة بالعواطف والاعتذار لليبيين عن مرحلة صعبة لا يمكن أن يتحمل وزرها عبد الجليل وحده، ولا أن يختبئ الآخرون خلفه، محملينه وحده أخطاء المرحلة، فيكفي عبد الجليل عزاءً أنه كان صادقاً وشجاعاً في الاعتذار لشعبه عما ظنّ أنه تسبب فيه، رغم أن خديعة الإخوان طالت الجميع، بمن فيهم النخبة وخبراء السياسة الليبيون، وقبلهم سيف الإسلام القذافي، وليس فقط الشيخ الطيب مصطفى عبد الجليل.
وهكذا تتضح الحقائق جلية أمام العيان، وأن هذا التنظيم الشرس كان ولا يزال يسعى بكل ما لديه من إمكانات إلى الإمساك بزمام السلطة لتنفيذ أجنداته الدموية في أرض العرب، لتخريبها وتسليط الأمم على بعضها بعضاً. فبعد أن فشل هذا التنظيم طيلة عقود طويلة في إقناع الناس بمراميه وأهدافه، ها هو ذا يكشف عن أنيابه في رعاية الفوضى وسيلان الدماء في أرض العرب، وإغراقها في وحل الإرهاب وتدمير بنيانها، وقتل شبابها.
نقلاً عن الشرق الاوسط