بقلم: د. جبريل العبيدي
بعد مائة عام من سقوط الإمبراطوريةِ العثمانية عام 1918 «رجلِ أوروبا المريض»، ظنّ السلطان العثماني الجديد إردوغان أنه يمكنه استعادتها من خلال تسويق الدراما التركية، مثل مسلسل «قيامة أرطغرل» و«عاصمة عبد الحميد»، مدبلجةً للعالمين العربي والإسلامي بعد حشوها بالمغالطات التاريخية والأضاليل والبطولات الوهمية، في حين هي دراما مغشوشة، لا تختلف عن دراما «حريم السلطان»، و«نور ومهند». ولم يغفل الأغا العثماني عن أنغام موسيقى النشيد العثماني «المارش» ومواكب الخيول، أثناء استعراض ماضي بلاده العثماني لدى استقبال ضيوفه، في محاولة لاستعادة «مجد» العثمانيين وفق منظور إردوغان.
الإرث العثماني، الذي يتباهى به إردوغان وجماعة «الإخوان»، نحن لا نتذكره إلا بالدم والفقر والجهل والضرائب والنهب ودَكّ القرى بالمدافع، فتركيا استعمرت بلاد العرب لأكثر من 500 عام، من دون أن تترك أي معالم للحضارة والبناء، حتى نذكرها بخير، أو يحنّ بعضنا لعودتها.
إردوغان الذي تعدّه جماعة الإخوان «خليفة» للمسلمين... وهو الطامح إلى عودة العثمانية الثانية، هو نفسه حليف إسرائيل عسكرياً واقتصادياً، فإردوغان العدو - الصديق لإسرائيل، وفق التوصيف الإسرائيلي - وتركيا اليوم تحتضن أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلي - هو نفسه «المتضامن والمدافع» عن الفلسطينيين إعلامياً ضمن حزمة من العنتريات يطلقها من حين إلى آخر، فهو كمن يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي.
إردوغان صاحب علاقات متينة مع إسرائيل، وحالة شراكة تجارية وعسكرية، رغم مهرجان الشتائم، فهو القائل إن «إسرائيل بحاجة إلى بلد مثل تركيا في المنطقة، وعلينا أيضاً القبول بحقيقة أننا نحن أيضاً بحاجة لإسرائيل».
عنتريات إردوغان ضد الإسرائيليين وبكائياته مع الفلسطينيين، تسويق إعلامي لخدمة مشروع العثمانية الثانية، فبعد انهيار المشروع التوسعي التركي بعد التراجع في سوريا، وتنامي دور المعارضة السياسية في الداخل، فإن نهاية الأغا التركي أصبحت وشيكة بسبب الأزمات والهزائم الداخلية قبل الهزائم الخارجية، وفشل حكومته في مواجهة وباء «كورونا»، ثم مسرحية استقالة وزير الداخلية بعد انتقادات لأداء الحكومة في مواجهة أزمة تفشى الوباء، وازدياد الإصابات بالفيروس.
إردوغان خسر أقرب أنصاره داود أوغلو وعثمان جان لي باباجان والرئيس السابق للبلاد عبد الله غل... وغيرهم كثير، ممن أسسوا أحزاباً جديدة منافسة لحزب إردوغان الذي هو في الأصل واجهة سياسية لجماعة «الإخوان».
إردوغان أصبح يواجه انشقاقات في صفوف داعميه الداخليين، طفت على السطح بعد تفرده بالسلطة بعد مسرحية انقلاب العسكر التي كانت للتخلص من خصومه، إضافة إلى أزمات مع الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعد اتفاقية ترسيم الحدود مع دولة لا تربطه بها جغرافيا حدودية هي ليبيا، حاول من خلالها ابتلاع نفط وغاز المتوسط. أيضاً خسارته انتخابات إسطنبول في رسالة تؤكد القول الموروث في تركيا: «من يخسر إسطنبول؛ يخسر تركيا كلها».
إردوغان أيضاً افتعل الأزمات مع محيطه العربي، وانتهج سياسة التصادم المستمر، وافتعال الأزمات بتدخلاته الفاشلة في ليبيا وسوريا، ففي ليبيا تتوالى الهزائم له ولمرتزقته الذين جلبهم إلى ليبيا، وسقوط ضباط أتراك كبار قتلى في غارات للجيش الليبي، وإسقاط الطائرات التركية المسيّرة وفشلها في قلب موازين المعركة، رغم مجاهرة إردوغان بدعم الميليشيات كما صرح لصحيفة «ديلي صباح» التركية بقوله: «تركيا ستدعم حكومة طرابلس من أجل فرض (السيطرة الكاملة على ليبيا إن لزم الأمر)»، إلى جانب هزائمه في سوريا.
إردوغان الذي «يدير عجلة الزمن إلى الوراء» وفق وصف بعض المحللين والخبراء، أصبح يتلاشى لَمعانُ نجمه في سماء حزبه، بعد تنامي عدد وأنصار أحزاب المعارضة له ولمشروعه العثماني المتلبّس بعباءة «الخلافة»؛ المشروع الإخواني المشترك.