بقلم: د. جبريل العبيدي
تصريحات رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، رئيس حزب النهضة، ومحاولته تشكيل اتحاد بين ثلاث من دول الاتحاد المغاربي يشمل ليبيا وتونس والجزائر، واستبعاد دولتين فيه هما المغرب وموريتانيا، تعد تصريحات غير مسؤولة، وتخرج عن العرف السياسي والدبلوماسي، بل وهي محاولة انقلاب على كيان معترف به دولياً هو الاتحاد المغاربي. ولقد لاقت تصريحاته هذه استياء من النخب المغربية. بل وجدت معارضة حتى من قيادات في حزب العدالة والتنمية الإخواني، وإن كانت خجولة والتمست العذر له، حيث صرح عبد العزيز أفتاتي بالقول «إن كلام الغنوشي غير موفق، وجاء تحت الضغط».
لقد تناسى الغنوشي أنه يقف مخاصماً التاريخ والجغرافيا المكونة للاتحاد المغاربي، فالمملكة المغربية لا يمكن إبعادها عن الاتحاد المغاربي بمجرد تصريحات وشطحات فرد، حتى ولو كان مسؤولاً كبيراً. ولا موريتانيا التي هي ذخر المخطوطات العربية وبلد المليون شاعر.
وفي اعتقادي، أن هذه الشطحات جاءت للهروب من أزمة الغنوشي الداخلية الخانقة، فهو الذي فشل في إدارة جلسات البرلمان وجعل منه برلماناً مأزوماً ومشلولاً، وتخاصم مع مؤسسة الرئاسة في بلاده، كيف له أن يكون منظراً في الاتحاد المغاربي الذي وجد قبل أن يعرف الغنوشي معترك السياسة بشكل صحيح، وإن كان عاصر زمن انطلاق الاتحاد المغاربي بحكم السن.
الغنوشي بمثل هذه التصريحات العبثية، يخالف حتى الدستور التونسي الذي يحصر السياسة الخارجية في رئاسة الجمهورية، ولا يعطى الحق لرئيس البرلمان للعب أي دور سياسي خارجي، بل إنَّ تصريحات الغنوشي باختزال الاتحاد المغاربي من خمس دول إلى ثلاث انتقاها الغنوشي بمزاجه تعد مخالفة لسياسة الحياد في السياسة الخارجية التونسية، كما يقرها الدستور والعرف السياسي التونسي عبر التاريخ منذ زمن بورقيبة.
وتحجج الغنوشي في مشروعه بمحاولته إنعاش الاتحاد المغاربي هو تبرير غير مقنع وغير مقبول، فكيف لك أن تستثني العضو المؤسس في الاتحاد ودولة بحجم المملكة المغربية، ثم تقول إن هدفك إنعاش الاتحاد، ففي الحقيقة هذه محاولة كتم لأنفاس الاتحاد المشلول أصلاً منذ ما يقارب العقدين من الزمن لمسببات كثيرة.
محاولة الغنوشي الانقلاب داخل الاتحاد المغاربي واستبعاد المملكة المغربية العضو المؤسس والفعال في الاتحاد المغاربي، وموريتانيا تعد خطوة بائسة وتعبر عن جهل بالسياسة والجغرافيا والتاريخ، بل وتعد خطوة غير محسوبة النتائج من قبل الغنوشي، الذي حاول استغلال حالة الخلاف بين دولتين في الاتحاد لتمرير مخططه في اختزال الاتحاد المغاربي في ليبيا البترولية وتونس والجزائر البترولية، أي بمعنى آخر هي محاولة من الغنوشي لحل الأزمة الاقتصادية التونسية.
محاولات الغنوشي المستمرة للتدخل في شؤون البلاد المجاورة لتونس، أصبح من غير الممكن السكوت عنها، فقد سبق للغنوشي التدخل في الشأن الليبي بشكل منحاز لتيار الإسلام السياسي المنقلب على نتائج الانتخابات في ليبيا، بل إنَّ الغنوشي كان يجاهر بتدخله ليبيا ويصفه بـ«الحياد الإيجابي»، بينما الحقيقة هي اصطفاف خلف جماعة في ليبيا توافقه في أفكار وآيديولوجيا اسلاموية، مما يجعله متدخلاً سافراً في الشأن الليبي لصالح جماعته، فالغنوشي بصفته رئيس برلمان تونس وليس «النهضة»، من المفترض أنه كان عليه أن يتواصل مع المستشار صالح رئيس البرلمان الليبي، لا مع المشري، مما يؤكد أن الغنوشي يتصرف كرئيس لحزب النهضة لا كرئيس لبرلمان تونس.
محاولة راشد الغنوشي اختزال الاتحاد المغاربي جاءت في الزمن والتوقيت الخطأ، فلا الجزائر يمكن أن تقبل، ولا ليبيا التي تنتظر تغييراً في رئاستها وحكومتها (حكومة الشراكة الوطنية) تقبل هي الأخرى بمشروع الغنوشي الذي أساسه محاولة جعل ليبيا والجزائر بنكاً لتمويل مشاريع الإسلام السياسي.
النضج السياسي في الجزائر لا يمكن له أن يقبل مشروع الغنوشي، والحقيقة التي لا يمكن القفز عليها هي أن المملكة المغربية، التي توالى على حكمها ثلاثة وعشرون ملكاً متواتراً منذ منتصف القرن السابع عشر، لا يمكن أن تختزل من دول الاتحاد المغاربي بتصريحات كهذه، فهي تبقى الدولة المؤسسة للاتحاد والفاعلة فيه. وكذلك موريتانيا.