توقيت القاهرة المحلي 22:01:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السلاجقة الجدد والتلاعب بالخرائط

  مصر اليوم -

السلاجقة الجدد والتلاعب بالخرائط

بقلم: د. جبريل العبيدي

هل صدق المؤرخ وول ديورانت صاحب «قصة الحضارة» حين قال إن «الأتراك كانوا الأكثر دموية في التاريخ»؟
واليوم نرى إردوغان نفسه يتغنَّى بماضي السلاجقة الدموي، حيث قال إن «تاريخ الأمة التركية لم يبدأ في 29 أكتوبر (تشرين الأول) العام 1923، يوم إعلان الجمهورية، بل إنَّ هذا التاريخ امتداد لما سبقه. إذ قبل 9 قرون كان بطل من الأناضول يخوض معركة مكلفة لحماية دمشق والقدس، إنه السلطان السلجوقي كيليتش أرسلان».
حلم إردوغان بعودة النفوذ العثماني وإحياء الدولة السلجوقية، هو سبب عقدة ماضوية، مع تكرار نشر صور لخرائط أسطورية خيالية مزورة تتلاعب بالجغرافيا، ظناً منه أنَّ تزوير خرائط الماضي يجعل منها حقائق وإرثاً تاريخياً في الحاضر، وهذا ما لم يستوعبه إردوغان وأنصاره من نشرهم الخرائط المزورة، ومنها خريطة عهد السلاجقة التي نشرها أحد أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم، والتي ترسم «حدود» تركيا الأسطورية من عمق بلغاريا واليونان، إلى وسط جورجيا والعراق وسوريا، ومن قبلها خريطة الوطن الأزرق؛ حيث ظهر إردوغان وخلفه خريطة مكتوب عليها «الوطن الأم الأزرق»، وهي تشكل فيها مساحة 462000 كيلومتر، وهي تغطي الحدود البحرية التركية من بحر إيجه، وكذلك جزر ليمنوس ولسبوس ورودس وشيوس، وهي تمثل جزءاً من اليونان، في محاولة مفضوحة، ليس لتزوير التاريخ والتلاعب بالجغرافيا فحسب، وإنما لإضفاء شرعية على الاستعمار، ونهب ثروات الشعوب.
معركة «ملاذكرد» عام 1071م، التي يتغنى بها إردوغان، هي التي سمحت بالتتريك التدريجي للأناضول، حين تمكن السلطان السلجوقي، ألب أرسلان، من هزيمة جيش بيزنطي، بفضل العرب من المسلمين في جيشه وبسالتهم، ما فتح الطريق أمام الأتراك للانتشار في آسيا الصغرى، لكن إردوغان لم يتجاهل شركاء النصر فحسب، بل يريد أن يستولي على أراضيهم وخيراتهم، وهكذا الحكام الأتراك على مر التاريخ، لا يذكرون جميلاً ولا يعترفون بفضل، ما يؤكد أنَّ الخلافة العثمانية لم تكن خلافة إسلامية، بل كانت مجرد واجهة لإمبراطورية طورانية مشحونة بالحقد على باقي القوميات ومنها، وعلى رأسها القومية العربية.
وها هو إردوغان يعيد الكرة من خلال سعيه إلى تأسيس دولة الخلافة، إحياءً للإمبراطورية العثمانية المنهارة، التي من أجلها يقتل العرب ويشردهم في الآفاق، ويبني المساجد لدغدغة مشاعر المسلمين، إضافة إلى أنه احتل شمال سوريا، وشرد أهلها، وها هو يعربد فيها يعلم أطفالها اللغة التركية، ويمنع اللغة العربية لغة القرآن. هذا الرجل غريب الأطوار يتوسع باسم الإسلام، ويفعل ما هو ضد الإسلام.
إن سياسة ابتلاع أجزاء من الجغرافيا سبق أن مارستها تركيا عندما ابتلعت لواء الإسكندرون، ومارستها إيران عندما ابتلعت الأحواز العربية.
إردوغان تائه بين سيرة السلجوقي طغرل بك، والسلجوقي ألب أرسلان، وسياسات عراب العلمانية كمال أتاتورك، الذي يضع صورته في مكتبه وقاعة استقبال الضيوف، ليظهر نفسه بمظهر العلماني، وما هذا السلوك إلا سلوك «الجماعة الإخوانية» التي تنتظر الوقت المناسب للانقضاض على الأتاتوركية وسحقها من جذورها.
إردوغان الذي حول كنيسة آيا صوفيا مسجداً، رغم أنها في الأصل كانت كنيسة قبل فتح القسطنطينية، وهو نفسه المتغني بأساطير السلطان السلجوقي ألب أرسلان، قال مرة زاعماً: «إن انتصار الأتراك في معركة ملاذكرد غيّر مسار التاريخ في العالم»، وذلك في إشارة لانتصار السلاجقة على البيزنطيين، في محاولة إسقاط تاريخي على صراعه مع اليونان، متناسياً هزيمة العثمانيين في اليمن، وفي مدينة عدن تحديداً، والتي كلفتهم 80 ألف جندي. ويحاول الإيرانيون الآن أن يعيدوا كرة ما فعله الأتراك فيه، لكن هؤلاء لا يتعلمون من التاريخ الذي سينقلب عليه بالتأكيد.
فمن خلال هذا التاريخ المزور، انطلق مشروع إردوغان الوهمي «لإحياء» العظام، عظام الدولة العثمانية، حتى بتزوير الدراما التلفزيونية بدعم منه شخصياً، لإنتاج مسلسلات تمجد حكام الدولة العثمانية، مثل مسلسل «المؤسس عثمان»، ومسلسل «قيامة أرطغرل»، و«عاصمة عبد الحميد»، ومسلسل «محمد الفاتح».
إردوغان المشحون بالحقد القومي وعقدة الأمة الطورانية، وجد في «جماعة الإخوان» حصان طروادة لاحتلال بلاد العرب وتدميرها ونهب ثرواتها وتحقيق مطامعه، في مناطق عربية عدة، مثل سوريا والعراق وليبيا، وهو الذي اتخذ من وجود مقابر تعود لقادة أتراك عثمانيين في ليبيا ومناطق شمال سوريا، ذريعة لتبرير العبث بالديموغرافيا العربية، بل تطاول على الليبيين بالقول إن ليبيا «إرث أجداده»، وجغرافيتها جزء من الإمبراطورية العثمانية، وإنه جاء لاستعادته، بينما الحقيقة أنه إرث بغيض من القهر والتعسف والظلم، فلا يوجد في ليبيا أي أثر تركي سوى مقابر بعض القادة الأتراك المهزومين.. إرث انتهى بترك الليبيين لمصيرهم في معاهدة «أوشي لوزان» لعام 1912، التي بموجبها سلمت تركيا أراضي ليبيا لإيطاليا، لتدخل ليبيا مرحلة أخرى من مراحل الاستعمار البغيض.
مطامع تركيا الطورانية في الموصل العربية العراقية، والاستحواذ على الأراضي العربية، قديمة متجددة، وليس احتلال تركيا للواء الإسكندرون ببعيد. فلواء إسكندرون الأول، الذي يسميه المؤرخ ستيفن لونغريج «الألزاس واللورين السورية»، ويطلق عليه في سوريا اللواء السليب والمحافظة الخامسة عشرة إلى حد الآن، نهبه الأتراك عام 1939. إن المطامع التركية الطورانية في الهيمنة على الأرض والتاريخ والتراث قديمة متجددة، كانت منذ أن سرق جنود السلطان سليم الأول بردة النبي - عليه الصلاة والسلام - ومفتاح الكعبة، وذهبوا بهما إلى خزائن الباب العالي، فالكنوز العربية والإسلامية في المتاحف التركية، جميعها نهبت من بلاد الإسلام مهبط الوحي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السلاجقة الجدد والتلاعب بالخرائط السلاجقة الجدد والتلاعب بالخرائط



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 18:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
  مصر اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب

GMT 11:04 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

منة فضالي جمهورها بمناسبة عيد الأضحى
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon