توقيت القاهرة المحلي 11:19:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إعمار ليبيا والعقبات الماثلة

  مصر اليوم -

إعمار ليبيا والعقبات الماثلة

بقلم: جبريل العبيدي

ليبيا التي عانت من العشرية السوداء بعد 2011، وإسقاط الدولة الليبية بقرار أممي زعم حماية المدنيين في حين تركهم لسكاكين «داعش» بمجرد إسقاط الدولة وإبادة الجيش الليبي، تشهد اليوم نهضة إعمار كبيرة بعد عشرية الحروب والتهجير والنزوح. نهضة عمرانية واسعة وكبيرة جداً لا يمكن القفز عليها وتجاهلها ونحن نرى عشرات الجسور والكباري الضخمة والمدارس، وإعمار الجامعات المهدمة جراء الحروب، وإعمار المساجد والطرقات، وتشييد المستشفيات والمشاريع الإسكانية والأبراج، ولعل في زيارة كبار المستثمرين مثل شركة «إعمار» الإماراتية، منشئة برج خليفة في دبي، وتوقيع عقد مشروع بنغازي الجديدة «داون تاون» ومنطقة المريسة الحرة، وهي ستكون أضخم ميناء تجاري ومنطقة حرة في شمال أفريقيا، لهو دليل على جدية الإعمار في ليبيا وبنغازي تحديداً، واطمئنان الشركات الكبرى والعالمية للوضع الأمني المستقر في بنغازي وما جاورها ومناطق سيطرة الجيش الليبي، حيث فرض الأمن والأمان.

فليبيا من إعمار الاستيطان الفاشي الإيطالي إلى الإعمار الوطني، شهدت مراحل وحقبات متعددة من النهضة العمرانية التي في أغلبها جاءت عقب حروب أو تغيرات سياسية، فمن مشروع المارشال إيتالو بالبو الذي انطلق غرب ليبيا عقب الحرب الإيطالية في ليبيا، حيث شيد الحاكم الإيطالي العديد من المدن والطرق، مما جعل ليبيا في ذلك الزمن تحفة معمارية رائعة، وإن كانت مشاريع بالبو ليست لليبيين، بل كانت ضمن مشروع الاستيطان الإيطالي في ليبيا، حيث أطلق بنيتو موسليني، الحاكم الفاشي الإيطالي، يد السفاح غرتسياني لتصفية الليبيين لدرجة حشرهم في معتقلات خلف الأسلاك الشائكة أشبه بمعسكرات الهولوكوست، وهو نفسه من أطلق يد إيتالو بالبو في البناء والتشييد لأجل معتقده الخاطئ أن ليبيا هي الشاطئ الرابع لإيطاليا، فقد كان الحاكم الفاشي الإيطالي يعدّ ليبيا الشاطئ الرابع La Quarta Spond المصطلح الذي أطلقه على ليبيا، مما جعل الحرب الإيطالية على ليبيا هي حرب استيطانية وانتزاع أرض واستبدال شعب محل شعب آخر.

إلى أن جاء مشروع إدريس، الملك الصالح مؤسس ليبيا الحديثة، بداية الستينات من القرن الماضي مع أول برميل نفط يستخرج من باطن الأرض الليبية الذي استهدف تنفيذ 100000 وحدة سكنية؛ 60 في المائة منها في المناطق الداخلية، وإعمار الطريق الساحلي بطول ألفي كيلومتر، وبناء جامعتين متكاملتي المرافق والكليات، وأكبر ملعبين لكرة القدم في ذلك الوقت في ستينات القرن الماضي، في عهد الملك الصالح إدريس السنوسي رحمه الله.

صحيح أن الإعمار في ليبيا تواصل في زمن القذافي في أول عهده، ومنها إزالة أكبر حي للأكواخ في العاصمة طرابلس، وبناء شبكة طرق داخلية والاستصلاح الزراعي الضخم في الجبل الأخضر وسهل جفارة، إلى مشروع النهر الصناعي الذي يعدّ أهم إنجاز تحقق في زمن القذافي، ولكنه اعتزل الناس في خيمته، وبذلك توقفت عجلة الإعمار ومن بعدها جميع مشاريع الإعمار بسبب سياسات خاطئة تسببت في إهمال البنية التحتية.

اليوم ليبيا تشهد نهضة إعمار كبيرة ونوعية بعد الحرب على الإرهاب، استطاعت القوات المسلحة العربية الليبية إطلاق مشروع إعمار كبير بدأ في درنة التي كانت ولاية تابعة للبغدادي تُقطع فيها رؤوس الناس، واليوم تنهض بمشاريع إعمار وبناء تغيرت معها حتى معالم المدينة المنهارة لتظهر الجسور والكباري وإصلاح البنية التحتية، حتى وصلت اليوم إلى الجنوب الليبي في سبها وغات والكفرة في أقصى الجنوب الليبي، وطالت أيدي الإعمار والبناء أقصى الشرق، بعد أن سكتت المدافع وهزمت وطردت «داعش» وأخواتها.

بنغازي كبرى مناطق الشرق الليبي، وثاني المدن الليبية، والتي كانت تحت احتلال «داعش»، وسيطرة ميليشيات الإسلام السياسي، تشهد اليوم نهضة إعمار كبرى لبناء أبراج وأكبر منطقة تجارية حرة في أفريقيا ومطار عالمي حديث، ما كانت لتتم لولا فضل الله بنصر الجيش الليبي على قوى الإرهاب والظلام التي جعلت من ليبيا في العشرية السوداء أرض مشاع للجماعات المتطرفة، ومركز تفريخ لعناصر الإرهاب، فمن يرى بنغازي اليوم لا يصدق أنها بنغازي التي كان يُغتال فيها كل يوم عشرات الضباط والجنود، بحجة أنهم مرتدّون وأتباع الطاغوت وضباط العهد السابق، في ضلالة مرت بها ليبيا في العشرية السوداء عقب هجمات «الناتو» الأطلسي التي أسقط فيها الدولة وليس النظام، بحجة حماية المدنيين من رصاص القذافي فتركهم «الناتو» لسكاكين «داعش» لبضع سنين قبل أن ينهض الجيش الليبي ويستعيد البوصلة ويضبط مسار البلاد، ويرفع السكين من على رقاب الناس.

رغم الصراع السياسي فإن الإعمار - أياً كان صاحبه وأياً كانت فاتورته الباهظة - سيبقى بارقة أمل في استعادة ليبيا من الفشل والانهيار، بعد أن راهن كثيرون على اتفككها، فها هو الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر يعيد لملمة أطرافها، ويجمعها تحت راية واحدة لإعمار ما تهدم منها، فتحية لمن يصنعون الإعمار. ويا ليت بقية الأطراف تترك خلافاتها وتتَّجه نحو النهضة الشاملة في سائر البلاد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إعمار ليبيا والعقبات الماثلة إعمار ليبيا والعقبات الماثلة



GMT 08:07 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 08:06 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 08:05 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

GMT 08:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غول الترمبية والإعلام الأميركي... مرة أخرى

GMT 08:01 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الصراع في سوريا وحول سوريا

GMT 08:00 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

سوريا واللحظة الحرجة!

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ترمب ــ «بريكس»... وعصر القوى المتوسطة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon