توقيت القاهرة المحلي 07:41:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طرابلس على صفيح ساخن

  مصر اليوم -

طرابلس على صفيح ساخن

بقلم :د. جبريل العبيدي

هل قدر العاصمة الليبية طرابلس البقاء رهينة الميليشيات، وأن تقف على صفيح ساخن، وتتكرر محاولات اقتحامها والتنازع عليها بين ميليشيات موالية لحكومتين تتنازعان الشرعية، الأمر الذي يهدد السكان، الذين تكتظ بهم العاصمة، خصوصاً في كل محاولة سيطرة على العاصمة التي تركت لعشرية كاملة تتحكم في مفاصلها الميليشيات المتعددة الولاءات والمتقلبة، خصوصاً النفعية منها التي تعمل كبندقية مستأجرة.
في اقتحام طرابلس الأخير من انتصر من الحكومتين للبقاء في العاصمة انتصر بالميليشيات، ومن انهزم انهزم أيضاً بسبب الميليشيات، وبالتالي لا وجود لمظاهر الدولة التي انتصرت ولا عزاء لها.
الوضع في العاصمة طرابلس ليس وليد الخلاف بين حكومتين تتنازعان الشرعية، بل هو امتداد لعشر سنوات عجاف منذ أسقط «الأطلسي» (حلف الناتو)، الدولة الليبية بكامل مؤسساتها، خصوصاً الجيش، بذريعة إسقاط نظام العقيد القذافي، ولكنه لم يكتفِ بهدم خيمة القذافي، بل تمادى لتدمير البنية التحتية للجيش الليبي من معسكرات وقواعد جوية وبحرية، بل ضرب حتى غواصات للجيش الليبي رابضة في عمق البحر، ولكن الناتو الذي فتح مخازن السلاح، ولم يجمعه أو حتى دمر هذه المخازن، لهذا يعد هو المسؤول الأول عن فوضى السلاح وانتشار أكثر من أربعين مليون قطعة سلاح بين خفيف ومتوسط وثقيل في عموم ليبيا، بل والشرق الأوسط، الأمر الذي لا يمكن تفسيره خارج دائرة نشر الفوضى «الخلاقة» التي تحدثت عنها مستشارة الأمن القومي السابقة كوندوليزا رايس، كمشروع لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط «الجديد».
العاصمة الليبية طرابلس تدفع ثمن سياسات دولية خاطئة، فعندما قرر مجلس الأمن إسقاط نظام القذافي، كان يعلم بالتأكيد أن للقذافي ترسانة سلاح ضخمة جداً، لكنه، أي مجلس الأمن، لم يقدم أي خطة لجمع، أو تدمير، أو عن كيفية التخلص من هذا المخزون الهائل الذي يمكنه تغذية حرب طويلة الأمد قد تكون أطول من حرب البسوس!
ستتكرر محاولات اقتحام طرابلس ومحاولات السيطرة لها ما دام السلاح بين أيدي الميليشيات متاحاً، ويتجدد، بل ويتم شرعنة بعضها وإلباسها الثوب العسكري، والزعم بأنها قوات ضمن الجيش الليبي؛ الجيش الذي لا يزال يتعرض لمؤامرات محلية ودولية لمنع قيامه بدوره في استعادة هيبة الدولة، ولعل بعض الدول الفاعلة في مجلس الأمن في مقدمة معرقلي الجيش الليبي عن أداء عمله، والحجج والذرائع التي تسوقها هذه الدول كثيرة وعديدة؛ منها ملف الاستعانة بخبراء من «فاغنر الروسية»، الذين لا يتجاوز عددهم بضع مئات غادر أغلبهم، ومهامهم لم تكن يوماً قتالية، بينما تغمض هذه الدول الفاعلة عيونها عن وجود عشرات الآلاف من المرتزقة السوريين في العاصمة طرابلس، ناهيك عن استخدام الطيران المسيّر لحماية الميليشيات من أي محاولة لتحرير العاصمة من سيطرتها، الأمر المستغرب من قبل بعض الدول في مجلس الأمن تقوم بحماية ميليشيات متحصنة داخل العاصمة، وترهن سكانها وتستخدمهم دروعاً بشرية في أي اقتتال.
ستبقى طرابلس على صفيح ساخن وستستمر المنازعات حتى بين الميليشيات داخل طرابلس، فهي تتنازع حتى الأحياء بينها، فكل ميليشيا تسعى لاتساع رقعة سيطرتها داخل العاصمة، بل وتسعى كل ميليشيا أن تستحوذ على أكبر عدد من مقرات الوزارات التي تبتزها.
الصراع السياسي في ليبيا أصبح في حالة انسداد لا يمكن الخروج منه إلا بالتخلص من الميليشيات أولاً، فهي أصبحت بندقية مستأجرة يستخدمها من يملك مفاتيح خزائن المال الليبي ويوجهها ضد خصومه السياسيين، في ظل صمت وضوء أخضر دولي لا يقدمان للضحايا الليبيين سوى الشعور بالقلق الذي يفسر ويترجم سياسياً على أنه الضوء الأخضر لاستمرار الفوضى والانسداد السياسي، بل حتى الاحتراب والاقتتال.
ستبقى الحرب في طرابلس متكررة طالما مفهوم الغنيمة الذي أنتجه الإسلام السياسي هو السائد عند الميليشيات، خصوصاً العقدية وكذلك النفعية غير عقدية، بل إنه أصبح شبه سائد بين السياسيين والميليشياويين وغيرهم حتى استباح المال العام وأملاك الدولة ومنها العاصمة طرابلس، ولهذا كان اقتراح عاصمة بديلة هو الأقرب للحل، لحين تحرير العاصمة من سطوة الميليشيات لتعود طرابلس على صفيح بارد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طرابلس على صفيح ساخن طرابلس على صفيح ساخن



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon