توقيت القاهرة المحلي 21:31:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماكرون وقراءة مغايرة للتاريخ

  مصر اليوم -

ماكرون وقراءة مغايرة للتاريخ

بقلم :د. جبريل العبيدي

الجمهورية الخامسة جمهورية الحرية والعدل والمساواة والمواطنة، يبدو أن رئيسها ماكرون، الذي بالكاد تفوق على منافسته الشعبوية مارين لوبن، بفارق ضئيل، لا يرى التاريخ الجزائري المؤلم من خلال المليون شهيد إبان حقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر، ولهذا يطلب إعادة كتابة التاريخ عبر لجنة مؤرخين، وكأن لسان حاله في أول زيارة له للجزائر بعد جفاء وفتور في العلاقات تجاوزا الثلاث سنوات جراء تصريحات سابقة له أنكر فيها التاريخ الاستعماري الفرنسي للجزائر وبشاعته، وإن كان اليوم اعترف فقط بأنه تاريخ مؤلم للفرنسيين والجزائريين، وكأنه يساوي بين الجلاد والضحية في المعاناة والشعور بها في ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر التي وضعت أوزارها عام 1962 بعد أن أفنت قرابة المليون جزائري، وكادت تطمس الهوية العربية للجزائر ضمن مشروع فرنسا بفرنسة الجزائر.

الرئيس ماكرون، يرفض الاعتذار للجزائر عن جرائم الاستعمار الفرنسي، فهو لا يزال غير مقتنع بذاكرة تاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر، ولهذا قام بتكليف الباحث الفرنسي بنغامان ستورا، بإعداد تقرير حول «ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر»، مما يؤكد أن الرئيس الفرنسي لا يزال يشكك في تاريخ الجزائر، الأمر الذي لا يقبل أكاديمياً ولا حتى دبلوماسياً من رئيس دولة بحجم فرنسا، فالتشكيك في التاريخ لم يسبقه إليه أي رئيس فرنسي سابق بمن فيهم ديغول نفسه.
محاولة ماكرون إعادة كتابة التاريخ وصياغته بالشكل الذي يجنبه الاعتذار عن جرائم ليس هو من ارتكبها، تجعلك تفكر في السر الذي يدفعه إلى هذا الأمر؛ هل هو محاولة منه لتجنيب فرنسا ضخامة حجم التعويضات التي ستترتب على الاعتراف بجرائم الإبادة، أم أن الأمر يقف عند عُقد التفوق والتعالي التي تلمسها في تشكيك الرئيس الفرنسي والنزعة الشعبوية المخفية، حتى وإن كان الرئيس ماكرون قد خاض الانتخابات الفرنسية ضد التيار الشعبوي المبني على العداء للغريب والأجنبي، الذي يتقاطع مع النازية والفاشية اللتين تؤمنان بتفوق ما تسميانه الجنس الآري، وتصادم الحضارات وتفوقها، وانتشار مفهوم العرق السيد Master Race، ونظرية تفوق الجنس، كما كان يؤمن النازي هتلر والفاشي موسيليني.
تعالي الرئيس ماكرون عن الاعتذار ورفضه له، بل إنكاره لصيغة التاريخ الحالي، جميعها شواهد تجعله لا يختلف في مفاهيمه التاريخية عن التيار الشعبوي في فرنسا، حتى وإن خاض الانتخابات الرئاسية منافساً له.
الرئيس الإيطالي سلفيو برلسكوني، كان الوحيد بين القادة الأوروبيين الذي اعترف ببشاعة الحقب الاستعمارية للبلاد العربية، فقد اعترف واعتذر عن فترة الاستعمار الإيطالي لليبيا، وعقد اتفاقية للتعويضات مع الجانب الليبي.
اتفاقية إيطاليا ليبيا لطي صفحة التاريخ الاستعماري قد تكون نموذجاً لباقي الدول التي تعرضت لاستعمار أو إبادة في تلك الحقبة، فلا يمكن طي صفحة الماضي وبشاعته بمجرد الشعور بالقلق أو التعبير عن تفهم المعاناة وآثارها، كما يعتقد الرئيس ماكرون الذي لا يزال يتجاهل التاريخ بل ويكذبه، فكونه يطلب تشكيل لجنة مؤرخين لحقبة تاريخية كتبت عنها عشرات الموسوعات التاريخية، وتناولتها عشرات الرسائل البحثية بين ماجستير ودكتوراه حتى في فرنسا وكبرى جامعاتها وأعرقها جامعة السوربون، يصبح طلبه إعادة كتابة التاريخ محاولة بائسة لإطالة التفاهم الحقيقي حول اعتذار وجبر الضرر وتحقيق العدالة الانتقالية، خصوصاً أن حجم الضرر ليس بالهين ولا هو بالمخفي للعيان.
فالحديث اليوم عن شراكة استراتيجية بين فرنسا والجزائر، لا يمكن أن تتقدم قيد أنملة ما لم يغلق ملف ذاكرة الحرب المؤلم بجبر الضرر وتحقيق العدالة للضحايا.
سواء اعترف ماكرون أم نفى التاريخ، ستبقى حقبة الاستعمار الفرنسي في الجزائر جريمة ضد الإنسانية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماكرون وقراءة مغايرة للتاريخ ماكرون وقراءة مغايرة للتاريخ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon