بقلم - د. جبريل العبيدي
ليبيا اليوم في أمس الحاجة إلى مسار للتهدئة وتحقيق السلام الأهلي، من خلال مصالحة وطنية تحقق الاستقرار المجتمعي بعد تهتك النسيج المجتمعي بسبب الفتن وانتشار الإرهاب وسياسة المغالبة، لتهيئة الأجواء لمناخ انتخابي آمن يمكن من خلاله الولوج إلى حالة الاستقرار، في بلد عاش سبعاً من السنين العجاف سادت فيها الفوضى الممنهجة، وتحولت ليبيا فيها إلى قاعدة ومعسكرات لتدريب الإرهابيين، الذين توافدوا عليها من كل حدب وصوب، تحميهم الفوضى وميليشيات الإسلام السياسي التي لا تؤمن بالهوية ولا الحدود الوطنية.
ولتحقيق حالة الاستقرار، لا بدّ من أن تكون الساحة الانتخابية خالية من التنظيمات والجماعات العابرة للحدود، التي لا تؤمن بجغرافيا وحدود وطنية، كتنظيم جماعة الإخوان وشقيقاته «القاعدة» و«أنصار الشريعة» و«داعش»، وما يستجد من تسميات لتنظيمات الإسلام السياسي، التي تتلون في تسمياتها وتحالفاتها، لأن خوض الانتخابات في ظل وجود تنظيم اعتاد سياسة التخلص من الخصوم السياسيين والتنكر للحلفاء غير مجدٍ، وهو التنظيم الذي سبق أن تبادل المصالح مع القذافي الابن، وتسببت تقية مراجعات التنظيم لعقيدة الولاء والبراء والحاكمية، التي أشرف عليها كبيرهم القرضاوي في خروجهم من السجون الليبية، بوساطة سيف الإسلام القذافي، ليصبحوا جزءاً من مشروعه «ليبيا الغد» الذي سرعان ما انقلبوا عليه وأسقطوا حكم القذافي الأب، في تحالف فبراير (شباط) عام 2011، بعد أن كانوا قد غازلوه في الماضي.
تهيئة الأجواء للانتخابات تتطلب تأمين الناخب والمرشح عبر كبح جماح العنف والاغتيالات، وخصوصاً السياسية في ليبيا التي شهدت أول عملية اغتيال سياسي في عام 1954، حيث قام الشريف محيي الدين السنوسي بإطلاق الرصاص على ناظر الخاصية الملكية فأرداه قتيلاً، ليترتب على هذه الأمر إصدار الملك أمراً يمنع جماعة الإخوان المسلمين من ممارسة أي نشاط ومراقبة قياداتها وعناصرها الليبية، بسبب شكوك في علاقة الجماعة في ليبيا بعملية الاغتيال؛ وهي التي تشكلت في ليبيا بعد هروب عناصر منهم إلى ليبيا كانت متهمة باغتيال محمود فهمي النقراشي وزير داخلية مصر آنذاك، وبالتالي فالتنظيم له تاريخ مديد مع الاغتيال السياسي.
فلا يمكن أن يكون هناك أي نوع من الانتخابات الآمنة أو الشراكة السياسية مع جماعة مبتدعة دينياً ومفلسة سياسياً، تؤمن بالعنف طريقاً للتخلص من الخصوم السياسيين، عبر شرعنة إهدار دمائهم بصفات تكفيرية تتنوع بين علماني وليبرالي وأعداء الله والرسول والإسلام والشريعة، تلك النعوت التي تجد صدى عند المغرر بهم من الذين غُيبت عقولهم، وتعتبر بمثابة الإذن لهم بالتحرك والتخلص من منافسيهم وخصومهم السياسيين، وليس عبر الصندوق الانتخابي الذي تنكرت له في السابق بمجرد خسارتها، كما أنه لا يمكن أن تكون هناك شراكة آمنة مع جماعةٍ الولاءُ والبيعة عندها للمرشد خارج حدود الوطن، وأن نزعة الهيمنة هي المسيطرة على خطابها وأفعالها بمجرد التمكن من السلطة، حيث تتبع منهج التمكين للموالين لها وإقصاء من يخالف الجماعة ومصالحها التي تضعها فوق مصلحة الوطن، جماعة تؤمن بما يمليه مؤسسها حسن البنا الذي قال: «إن الجماعة ستنتقل من دعوة الكلام وحده إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال…»، الأمر الذي لا يمكن تفسيره بمعزل عن العمل المسلح والتنظيم السري، خصوصاً أن هذا الكلام نشرته صحيفة «النذير» الناطقة باسم الجماعة في زمانها.
الانتخابات والتفاهمات التي اتفق عليها مشافهة في لقاء باريس تنكر لها ممثل جماعة الإخوان خالد المشري رئيس ما يسمى مجلس الدولة غير الدستوري، الذي انقلب على من جلس معهم على طاولة واحدة في بلاط الإليزيه، قبل أن تغرب شمس يومه، وكان للجماعة رأي مخالف، تناسى فيه سلطة الأمر الواقع التي جاءت به وبجماعته، بعد تنكرهم لنتيجة الصندوق الانتخابي عندما خسروها، الأمر الذي قد يتكرر، وبالتأكيد سيتكرر نظراً لفقدانهم أي شعبية تمكنهم من الفوز هذه المرة حتى ولو بالتضليل أو الظهور خلف شخصيات تخفي الانتماء للجماعة، لأنه وبكل بساطة الشعب الليبي برمته رافض لهم.
الانتخابات والحال هذه لا يمكن أن تكون طريقاً آمنة لتسوية الأزمة الليبية، إلا بتوعية مجتمعية لطرق الخداع والتضليل اللذين تمارسهما هذه الجماعات، حتى يستطيع الناخب خوض استحقاق انتخابي آمن.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع