بقلم: د. جبريل العبيدي
رغم الزعم بوجود متهم ليبي ثالث في قضية لوكربي تجري المطالبة بتسليمه، فإن براءة ليبيا من قضية لوكربي باتت وشيكة وممكنة الإثبات، بعد قبول محكمة الاستئناف، الاستئناف المقدم من عائلة المقرحي، قبل أسابيع؛ حيث قررت اللجنة الاسكوتلندية المستقلة لمراجعة القضايا الجنائية إحالة الحكم بإدانة المقرحي للمحكمة العليا في اسكوتلندا، لإعادة النظر فيه، مبررة ذلك بأنه «ربما حدثت إساءة في تطبيق العدالة في قضية المقرحي»؛ خصوصاً بعد ظهور إثباتات جديدة لبراءة المتهم الليبي، وزيف شهادة الشاهد الأوحد في القضية التي نُسبت تسميتها إلى بلدة لوكربي البريطانية؛ حيث سقطت طائرة «البانام» الأميركية جراء «تفجير» تنقلت تهمته بين تنظيمات وأنظمة عدة إلى أن حطت على ليبيا، والتي ظلت لسنوات ترفض الاتهام وتسليم مواطنيها لأميركا للمحاكمة، إلى أن انتهت إلى قبول ليبيا لتسوية تمت من خلالها محاكمة المتهمين الليبيين بقضاء اسكوتلندي على أرض هولندية في سابقة تاريخية، انتهت باتهام أحد الليبيين وبراءة آخر، رغم عدم كفاية الأدلة واستناد المحكمة لشاهد اتضح لاحقاً أنه متفنن في اختلاق القصص والأكاذيب.
ففي قضية لوكربي: «القرار العامل على الفصل السابع نص على: تسليم المتهمين الاثنين، وهما عبد الباسط المقرحي والأمين أفحيمة، واعتراف ليبيا بالمسؤولية، وتعويض أسر الضحايا، والتعاون مع التحقيقات المتعلقة بالحادث»، مشيراً إلى أن «ليبيا رفضت لسنوات التجاوب مع هذه القرارات، وفرضت عليها عقوبات»؛ لكنها «في النهاية تجاوبت مع تلك الطلبات. وأغلق الملف نهائياً».
كما أن «الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، أصدر مرسوماً رئاسياً بقفل ملف الجانب المدني في القضية»، داعياً «من يريد مطالبة مدنية» إلى أن «يرفعها على الحكومة الأميركية».
رغم محاولات القضاء التستر على وثائق سرية مهمة، ومنع الدفاع من الوصول إليها، في مخالفة صريحة لإجراءات التقاضي العادل، فإن براءة المقرحي وبراءة ليبيا باتت وشيكة، وستطالب ليبيا باسترجاع التعويضات، وكذلك التعويض عن الحصار الذي فُرض على ليبيا طيلة عشر سنوات، بسبب رفض ليبيا تسليم مواطنيها.
تفجير طائرة لوكربي كانت هناك شواهد كثيرة تؤكد أنه كان انتقاماً من الخميني لطائرة الركاب الإيرانية التي أسقطتها أميركا على أنها طائرة معادية؛ إذ أكد الكاتب الأميركي دوغلاس بويد أن وكالة الاستخبارات بوزارة الدفاع الأميركية أصدرت بياناً في سبتمبر (أيلول) 1989، تقول فيه إن «التفجير تم التخطيط له والأمر بتنفيذه وتمويله من جانب وزير الداخلية الإيراني الأسبق، علي أكبر موهتشاميبور. وهذا ما نشرته صحيفة «الديلي ميل» البريطانية من كتاب دوغلاس بويد الذي رفض فرضية وقوف ليبيا وراء تفجير طائرة لوكربي، مؤكداً أن إيران هي التي فعلتها.
أدلة وشواهد كثيرة تؤكد براءة ليبيا واتهام إيران، ومنها شهادة الدكتور جيم سواير الذي قُتلت ابنته في الحادث؛ حيث قال: «متأكد من براءة المقرحي، وأن طهران تقف وراء الحادث».
قضية لوكربي ظلت لسنوات بين ليبيا المتهم وإيران الفاعل. لعل في قضية المواطن الليبي عبد الباسط المقرحي جانباً كبيراً من غياب العدالة وفساد القضاء، فالمقرحي ضحية فساد القضاء، فالقضية في الأصل سياسية ولا علاقة للقضاء بها، ولكن، وللأسف، تم تسييس القضاء، بل لنا أن نطالب الغرب والحكومة الاسكوتلندية خاصة بملف المقرحي الطبي، ونطالب بلجنة طبية محايدة لنتأكد من أن الإجراءات الطبية كانت تتم للمقرحي أثناء اعتقاله، ولم يكن يلقى إهمالاً من قبل أطباء السجن لتفشي المرض العضال في جسده الذي تسبب في وفاته في أيام معدودة، بمجرد الإفراج عنه بعفو صحي، بعد إرغامه على التخلي عن حقه في الاستئناف. فالمقرحي تعرض للظلم مرتين: مرة عندما أدانه قضاء براغماتي غير نزيه، ومرة عندما أجبره القانون الاسكوتلندي على التخلي عن حقه في الاستئناف.
فالمقرحي، أو المقراحي كما تعود اللسان الغربي على نطقه، بريء، وهو أيضاً إنسان له شعب عنده مشاعر، وإن مات المقرحي البريء متهماً بدم ضحايا «البانام»، فإن العدالة لن تموت، وستتحقق للمقرحي وليبيا قريباً، رغم محاولات تغييب وتأجيل براءة ليبيا.