بقلم: د. جبريل العبيدي
الانتخابات في ليبيا لا يمكن تحقيقها بشكل نزيه في ظل وجود الميليشيات في العاصمة طرابلس، لأنه من اشتراطات الانتخابات النزيهة توفير حالة أمنية لانطلاق العملية الانتخابية الحرة، بحيث تسمح للناخب والمرشح بحرية الحركة والتنقل والانتخاب دون ضغوطات، أو ابتزاز أو تهديد، لتحقيق مبدأ التكافؤ في الفرص، الأمر الذي صعب تحقيقه في ظل وجود عاصمة رهينة للميليشيات، ولهذا كان تحرك الجيش الليبي لاستعادة العاصمة من قبضة الميليشيات، خصوصاً أن الجيش الوطني أعلن دعمه مدنية الدولة، بل واستعداده لحماية العملية الانتخابية والمسار الديمقراطي، وحياد المؤسسة العسكرية في العملية الانتخابية والسياسية، وأنه بمنأى عن المسار السياسي.
فالانتخابات تبقى الرهان الأصعب في ظل تحدٍّ كبير تتزعمه جماعات الإسلام السياسي التي دفعت بـ«داعش» لضرب المفوضية العليا للانتخابات، خصوصاً بعد أن تيقنت تلك الجماعات بضآلة فرص فوزها في انتخابات شعبية ليس لها فيها أي حضور شعبي يمكنها من الفوز حتى بممارسة الخداع والتضليل، الذي سبق أن مارسته في الانتخابات السابقة، وفشل مشروعها العابر للحدود، وثبوت أنه مشروع غير وطني ولا يؤمن بجغرافيا أو حدود وطنية، رغم أن مبعوث الأمم المتحدة أكد ضرورة توفر «الشروط الأمنية»، وأن «تحترم حرية التعبير والتصويت، وأن تقبل جميع الأطراف بنتائج الانتخابات»؛ الأمر الذي لم يحدث في انتخابات 2014؛ حيث رفضت جماعات الإسلام السياسي النتائج لخسارتها الانتخابات رغم نزاهتها بشهادات دولية، لأن مبدأ هذه الجماعات هو الاعتراف بالنتائج في حال فوزها بها، أما في حال الخسارة، فإنها تتنكر لها وتنقلب عليها، وتعلن الحرب الضروس كما فعلت في حرب «فجر ليبيا»، حيث احتشدت ميليشيات موالية لجماعات الإسلام السياسي واختطفت العاصمة وشكلت حكومة موازية، بينما تقاعس المجتمع الدولي، فبدلاً من محاسبة المنقلبين على المسار الديمقراطي والمتنكرين لنتائج الانتخابات، والذين أحرقوا العاصمة والمطار الدولي بطائراته، قامت المنظمة الدولية، وبتدخل قطري سافر، بإشراك الانقلابيين في اتفاق سياسي في الصخيرات، وإعادة إنتاج «المؤتمر» المنتهي الولاية عبر تسميته «مجلس الدولة».
لتحقيق الانتخابات لا بد من تحقيق حالة الاستقرار، ولا بدّ من أن تكون الساحة الانتخابية خالية من التنظيمات والجماعات العابرة للحدود، التي لا تؤمن بجغرافيا أو حدود وطنية، كتنظيم «الإخوان» وشقيقاته، التي تتلون في تسمياتها وتحالفاتها.
فالانتخابات تبقى الحل الأمثل للأزمة الليبية والتخلص من جميع الأجسام الموازية، شريطة أن تتم في ظروف أمنية وإلا ستصبح انتخابات منقوصة ومطعوناً في شرعيتها، كما أن المفوضية العليا للانتخابات رفضت قرار البرلمان بنقلها إلى بنغازي لأنها في طرابلس تحت سطوة الميليشيات وابتزازها، وتعرض موظفيها لخطر الخطف والاغتيال الدائم. ولكن رغم هذه المعوقات الكثيرة والمتجددة وحتى المفتعلة، فإن الانتخابات تبقى هي الطريق الأقرب إلى حل الأزمة الليبية، بعد تحرير العاصمة من الميليشيات لتوفير مناخ مناسب، وما معرقلوها إلا ممن يرفضون تسليم السلطة ويخشون المحاسبة.
وقد تكون فكرة انتخابات جديدة بحماية الجيش الوطني الليبي، وفي وجود مراقبين دوليين، هي المخرج لكنس القمامة السياسية المتراكمة في المشهد السياسي الليبي، والتي أبت الخروج من المشهد، واستمرت في العبث وتوطين الفوضى برعاية إقليمية ودولية من دول عابثة مثل قطر وأخرى تختبئ خلف مصالح شركات متعددة النشاط .
في أي انتخابات مقبلة تبقى مشاركة أنصار النظام السابق حقاً طبيعياً لأي مواطن ليبي يتمتع بحقوقه المدنية، ولكن ذلك يبقى رهينة لحجم تفهمهم للتغيير الذي حدث في ليبيا رغم مصاعبه ومآسيه، إلا إنه لا يمكن العودة إلى الماضي، فـ«سبتمبر» انتهت، و«فبراير» فشلت، والملك الراحل لا أولاد ولا وريث له، والأصلح دولة مدنية بدستور يحترم حق المواطنة.
في ليبيا أي حديث عن الانتخابات قبل تحقيق الأمن، خصوصاً في العاصمة، يعدّ جرياً خلف سراب.