توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليبيا تودع أحد بناة الدولة المدنية

  مصر اليوم -

ليبيا تودع أحد بناة الدولة المدنية

بقلم: د. جبريل العبيدي

الفيروس الشرس «كوفيد - 19» استطاع تغييب أحد رجالات ليبيا المعاصرين، وأحد بناة مشروع الدولة المدنية المغيب في ليبيا، بسبب الميليشيات والتنظيم الإخواني الإرهابي.
رحيل المفكر الاستراتيجي والسياسي الليبي محمود جبريل، من دون وداع المودعين وحضور الأهل والمقربين، إذ حالت جائحة «كوفيد - 19» دون ذلك، فحبست الجميع ومنعتهم من حضور جنازة ودفن رجل ليس كباقي الرجال، خاصة في تاريخ ليبيا المعاصر، فجبريل كان أول رئيس حكومة ليبي بعد سقوط ديكتاتوريات الربيع العربي، وكان رجل وعراب مرحلة ما بعد فبراير (شباط).
شخصية محمود جبريل وحضوره محلياً ودولياً، هو ما أكسب حراك فبراير اعترافاً دولياً بوجود قيادة سياسية ناضجة للحراك الذي أسقط نظام القذافي في ليبيا، فالجميع كان يرى في محمود جبريل نموذجاً للبنة الدولة المدنية والمسار الديمقراطي، ولهذا كان جبريل محفزاً للطمأنينة للمسار والفهم الديمقراطي، وهذا كان واضحاً حتى في رسالة التعزية للسفارة الأميركية في ليبيا، التي جاء فيها «ننضم إلى جميع الليبيين في التفكير في إرث الدكتور جبريل، والتزامه الكبير بضمان مستقبل ديمقراطي وآمن ومزدهر للشعب الليبي».
استطاع جبريل في عهد فبراير أن يحقق انتصاراً كاسحاً في أول انتخابات ديمقراطية ليتحصل على الكتلة الأكبر في المؤتمر الوطني (البرلمان)، ولكنه تعرَّض إلى تحالف الإسلاميين «الإخوان» و«القاعدة» وشراء ذمم بعض المستقلين في المؤتمر، لدرجة أن أصبح رئيس كتلة «الإخوان» في المؤتمر الوطني من المستقلين، مما يعني أن المستقلين كانوا حصان طروادة لتنظيم «الإخوان»، لقلب معادلة الكتلة الأكبر، حيث تسلل أنصار «الإخوان» من خلال عباءة المستقلين ليسقطوا فاعلية الكتلة الأكبر، ليحاصر جبريل ومشروعه الوطني الديمقراطي، خاصة أنه تم إشباع عقول أتباع الجماعة الضالة بالتضليل والتشويه لمشروع محمود جبريل، بعد أن أصبح جبريل عدو «الإخوان» السياسي الأول، فبدأت الحرب القذرة من خلال اتهام جبريل «بالعلمانية» التهمة الجاهزة عند جماعات الإسلام السياسي، فخرج المفتي المعزول للتحريض ضد مشروع محمود جبريل الديمقراطي، رغم أن هذا المفتي المعزول شارك نفسه في الانتخابات التي وصفها فيما بعد بالكفر والباطل.
جبريل لم ينشغل بالرد على تشويه صورته من جماعة «الإخوان»، إلا أنه فضل الرد على تهمة «العلمانية» بالقول: «الإسلام أكبر من أي مفهوم آخر، والليبيون ليسوا بحاجة إلى الليبرالية أو العلمانية كبديل للدين الإسلامي؛ لأن الإسلام، هذا الدين العظيم، لا يمكن استخدامه لأغراض سياسية».
رحيل جبريل ضحية جماعة «الإخوان»، قبل أن يكون ضحية «كوفيد - 19». لم يمنع الانقسام السياسي في ليبيا الليبيين من العزاء في جبريل، فالقائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر عرض عليهم نقل جثمانه إلى ليبيا، وأن يدفن في أرض الوطن، بعد أن قدَّم العزاء لأهله، بينما فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق غير الدستورية نعاه في رسالة تعزية، ووصفه بأنه «قامة علمية وشخصية وطنية».
إرث محمود جبريل بدأ منذ كان رئيساً لمجلس التخطيط الأعلى، في آخر عهد العقيد القذافي، الذي جلب جبريل ضمن مشروع الإصلاح الذي أطلقه القذافي الابن، سيف الإسلام، الذي تم اختراقه من جماعة «الإخوان» ليفشل مشروع ليبيا الغد، ويسقط نظام القذافي بل سقطت الدولة الليبية بجميع أركانها معه.
رحيل جبريل مبكراً قبل إتمام لبنات المشروع الديمقراطي في ليبيا، سيجعل من الصعب نجاح أي مشروع ديمقراطي في ليبيا قابل للحياة، في ظل استمرار مشروع دولة الغنيمة والمرشد، التي تنهجها جماعة «الإخوان» وباقي تنظيمات الإسلام السياسي، والتي ترى في ليبيا دولة ترانزيت، وبيت مال لها لتحقيق دولة المرشد خارج جغرافيا ليبيا.
ليبيا لم ولن تعقم عن إنجاب جبريل آخر، ولكن بعد فشل أو إفشال مشروع جبريل الديمقراطي حتى قبل رحيله، وقبل اندلاع حرب أخرى حول إرث جبريل، يصبح الأمر الأهم هو استعادة الدولة الليبية وسيادتها، وخاصة عاصمتها من أيدي الجماعات الإرهابية، وهذا ما يفعله الجيش الليبي الآن، ثم يصبح الحديث عن مشروع ديمقراطي قابل للحياة في ظل سيادة وطنية يحققها الجيش الوطني أمراً واقعياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا تودع أحد بناة الدولة المدنية ليبيا تودع أحد بناة الدولة المدنية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon