توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عنصرية مختبئة أم خطأ فردي؟

  مصر اليوم -

عنصرية مختبئة أم خطأ فردي

بقلم: د. جبريل العبيدي

سؤال مهم يطرح نفسه، ماذا لو قُتل جورج فلويد في غياب الكاميرات ووسائل التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما؟ هل كانت جريمة العنصرية ستختفي كما اختفى كثير من أمثالها في أميركا والعالم؟!
مقتل جورج فلويد جاء ليكشف عن بقايا رأس المشكلة المختبئ، كما هي ظاهرة الجبل الجليديiceberg phenomenon، فحجم المشكلة في المجتمع الأميركي غير محدد بشكل واضح ليمكن معالجته، فجورج فلويد مواطن أميركي من أصل أفريقي، قتله شرطي في 25 مايو (أيار) الماضي في مدينة مينيابولس، في الولايات المتحدة، بالضغط على عنقه، وهو يردد: «لا أستطيع التنفس»، في وقت يصرخ بعض المارة طالبين من الشرطي التوقف، من دون أن يستجيب لهم. هذا الحدث أعاد ذكرى مقتل إريك غارنر قبل 6 سنوات في عام 2014، وهو غير مسلّح، والذي كرّر أيضاً عبارة: «لا يمكنني أن أتنفّس» التي كررها جورج فلويد 11 مرة، بعد أن جلس ضباط من شرطة نيويورك على عنقه.
ولعل تردد القضاء الأميركي في توجيه تهمة القتل من الدرجة الأولى للشرطي فتح الباب أمام تساؤلات عن كيف يُعامل السود أمام القانون في الولايات المتحدة، رغم أن الأميركيين من أصل أفريقي يشكلون نحو 14 في المائة من السكان، حسب إحصائيات عام 2019 الرسمية، إلا أنهم كانوا يمثلون أكثر من 23 في المائة من بين كل 1000 حالة إطلاق نار أدت إلى القتل على يد الشرطة.
ثم أتت تغريدات الرئيس ترمب والتي بسببها كما قيل خرجت المظاهرات عن السيطرة، رغم أن المدعي العام في ولاية مينيسوتا، كيث إيليسون، قال: «إن توجيه تهمة القتل من الدرجة الأولى للشرطي المتهم بقتل جورج فلويد لا يزال ممكناً»، وذلك بعد أعلن الطبيب الشرعي بعد تشريح جثة جورج فلويد أنه قضى «قتلاً» بعدما أصيب بـ«سكتة قلبية» من جراء «الضغط على عنقه».
العنصرية في أميركا قديمة متجددة ولا يمكن تحميلها لعصر ترمب، ولم تستطع أميركا التخلص منها، ورغم عراقة النظام المؤسسي والديمقراطي فيها، إلا أنها بقيت فكراً وظاهرة متجددة تطفو على السطح من حين لآخر، من دون وجود لأي خطوات حقيقية لإصلاح الخلل وردم الفجوة بين الأميركيين من أصول مختلفة، وإن كان الأفارقة أكثر معاناة، بعد معاناة الهنود الحمر.
نال السود الكثير من الحقوق في أميركا، بعد تاريخ حافل من العنصرية؛ فمثلاً كان يُمنع الأسود من الصعود إلى الحافلة من نفس الباب الذي يصعد منه الأبيض، ومنع كثير من السود من الجلوس للتعليم في مقاعد المدارس والجامعة، ولعل روزا لويس باركس أشهر من نطقت بـ«لا» في تاريخ أميركا عام 1955 وذلك بفضها التخلي عن مقعدها في «القسم الملوّن» لرجل أبيض بعد أن طلب السائق.
ولعل قانون العنصرية السابق الذي أعطى الأميركيين البيض امتيازات وحقوقاً من دون باقي الأعراق الأخرى، في مسائل التعليم والهجرة وحقوق التصويت والمواطنة وحيازة الأراضي والإجراءات الجنائيّة طوال التاريخ الأميركي إلى زمن قريب، هو ما تأثر به الشرطي ديريك شوفين الذي قتل جورج فلويد.
فما حدث في أميركا يشبه التعامل مع برميل بارود، كما وصفه رومان هوريت، المؤرخ الأميركي ومدير الدراسات في معهد دراسات العلوم الاجتماعية بقوله «نحن نتعامل هنا مع انفجار برميل من البارود».
العنصرية هي الاعتقاد الخاطئ بأن «هناك فروقاً موروثة بطبائع الناس وقدراتهم لانتمائهم لجماعة أو لعرق ما»، وبحسب إعلان الأمم المتحدة، فإنه لا فرق بين التمييز العنصري والتمييز الإثني أو العرقي. ولكن العنصرية ليست حكراً على أميركا، بل شعوب ودول كثيرة تمارس العنصرية بأشكال مختلفة، ولعل الطبقية متمثلة في طبقة النبلاء والفرسان جزء من تاريخ العنصرية، كما أن القبلية في بعض الدول، رغم ما بها من مزايا، هي أحياناً في وجهها المظلم نوع آخر من العنصرية عندما تستخدم لإقصاء الآخرين، عندما تطغى النزعة العشائرية المتمثلة في الموالاة بشكل تام للعشيرة، ومناصرتها ظالمة أو مظلومة.
مقتل جورج فلويد ستكون له تداعيات مجتمعية لن تقف عند تعديل قائمة الاتهام للشرطة، فالخلل مجتمعي بالدرجة الأولى، أظهر جزءاً من العنصرية المختبئة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عنصرية مختبئة أم خطأ فردي عنصرية مختبئة أم خطأ فردي



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon