بقلم - جبريل العبيدي
أكثر ما أنهك الفلسطينيين، هو صراع الزعامات أكثر من صراع الآيديولوجيات، وإن كانت حيثية الآيديولوجيات المختلفة لا يمكن استبعادها بالمطلق من حرب الزعامات، بين قيادات «حماس» و«الجهاد» و«فتح» وغيرها من الفصائل، وظهر وطفح صراع الزعامات بعد وفاة ياسر عرفات الذي كان الشخصية المركزية حتى لمعارضيه من «حماس» و«الجهاد»، ولكنها بقيت تحت زعامته، وبمجرد وفاته مسموماً انطلق صراع الزعامات على ميراث ياسر عرفات من دون أن يمتلك أي منهم الكاريزما الشعبية التي كان يمتلكها ويتمتع بها هذا الرجل، رغم ضعف مواقفه وخبرته السياسية، ولكن الزخم الفلسطيني مكنه من قيادة المقاومة من دون منازع له حقيقي طيلة حياته رغم وجود بعضهم، ولكنهم فشلوا جميعاً في إزاحة عرفات.
لا أحد ينكر حجم الدمار الذي تلحقه الطائرات والمدافع والصواريخ الإسرائيلية المتطورة بالبنية التحتية في قطاع غزة المحاصر، وقتل مئات المدنيين الأبرياء، وتشريدهم من منازلهم، لمجرد أن إسرائيل تريد استهداف قيادي في الفصائل الفلسطينية تقتل معه عشرات الأطفال والنساء، دون أن تخشى أدنى درجات الإدانة من مجلس الأمن والأمم المتحدة، والخمسة الكبار الجالسين للفرجة على مقتل الأبرياء الفلسطينيين في مجلس الأمن، الذين يكتفون فقط بالتعبير عن «القلق»، في ازدواجية مطلقة للمعايير، خصوصاً ونحن نشهد البكائية الأوروبية والأميركية على الحرب في أوكرانيا، رغم أن أوكرانيا ليست قطاع غزة المحاصر، الذي لا يمتلك حق الرد أو السلاح المتكافئ على عكس ما يجري من نقل قوافل جوية وبرية وبحرية من الأسلحة المتطورة لدعم أوكرانيا، ناهيك عن الدعم الإعلامي.
لكن بالمقابل أيضاً لا يمكن إهمال مسألة خلاف الزعامات داخل المقاومة، الذي أنهك الفلسطينيين وأضعف موقفهم، ويعد المتسبب الرئيسي في عدم توحيد رؤية فلسطينية موحدة أمام العالم.
فخلاف الزعامات هو ما جعل حركة «حماس» ذات التوجه «الإخواني»، تترك حركة «الجهاد الإسلامي» تواجه منفردة آلة الحرب الإسرائيلية المزودة بصواريخ «توما هوك» الموجهة وطائرات «إف 16»، بحجة إطلاق الصواريخ من القطاع، الذريعة الرئيسية التي تستخدمها الحكومة الإسرائيلية لتبريره استخدام العنف والقوة المفرطة، والتي لا تتناسب مع حجم الضرر الذي تحدثه بعض الصواريخ الفلسطينية، التي أغلبها تعترضه القبة الحديدية، والباقي يسقط دون أضرار، لأنها في الأصل صواريخ محلية الصنع وليست مثيل صواريخ الجيش الإسرائيلي التي دمرت المباني الفلسطينية، ولم تسلم منها حتى سيارات الإسعاف.
حاول عرفات في حياته جمع الفصائل، لتوحيد الموقف الفلسطيني أمام العالم، ولكن حركة «حماس» كانت كثيراً ما تخرج عن جلباب عرفات، وتعلن التمرد الذي ظهر في انقلابها عن السلطة في رام الله، وإعلان قطاع غزة وكأنه دولة تخص «حماس»، والباقين مجرد ضيوف ترانزيت عند «حماس»، الأمر الذي لم تقبله باقي الفصائل، التي كانت أقل حجماً وتمثيلاً في قطاع غزة من «حماس» مثل حركة «فتح»، التي تعرض أغلب قياداتها في غزة للاعتقال من قبل «حماس»، وحتى حركة «الجهاد الإسلامي»، التي تعد الأقرب إلى حركة «حماس»، لم تسلم من الخلاف مع حركة «حماس» التي شعارها في القطاع «نحكمكم أو نقتلكم».
«حماس» كانت ولا تزال حجر عثرة أمام توحيد الفلسطينيين، فـ«حماس» كانت ولا تزال تنقلب على أي مشروع لأنها تريد الزعامة وإقصاء الباقين كعادة جماعة «الإخوان» في جميع بلدان العالم، السلطة والتمكين فقط لأعضاء «الجماعة»، والولاء للجماعة مقدم على كل شيء ولو كانت الخبرة أو التاريخ النضالي.
القضية الفلسطينية ستبقى الخاسر الأكبر طالما استمر صراع الزعامات واختلاف قادة الفصائل، فلا يمكن قيام دولة بزعامات متخاصمة.