توقيت القاهرة المحلي 20:18:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليبيا... ما بعد الصدمة

  مصر اليوم -

ليبيا ما بعد الصدمة

بقلم - جبريل العبيدي

بعد كارثة الطوفان في ليبيا كان الحزن كبيراً، وشاطرنا فيه الملايين من إخوتنا العرب والمسلمين، الذين هبّوا للمساعدة باستثناء صوت نشاز لم يقدم شيئاً سوى الشماتة في الغارقين، هو السيد مقتدى الصدر، الذي شمت في ضحايا الفيضانات والسيول في ليبيا، وهذا ليس بأفعال الكرام، ولهذا لن نلتفت إلى شماتته في ظل عزاء ومؤازرة ملايين المسلمين والعرب والمسيحيين الذين هبوا لنجدة الغارقين في ليبيا، الذين شمت فيهم مقتدى الصدر بذنب لم يقترفه هؤلاء الغارقون، ألا وهو اختفاء موسى الصدر قبل أربعين عاماً في ظروف غامضة لا يزال الفاعل فيها مجرّد متهم (القذافي)، حيث لم تثبت التهمة عليه بعد، رغم اختفاء قبره هو الآخر.

بعيداً عن شماتة مقتدى الصدر والتوظيف السياسي لأزمة إنسانية، فإنَّ فيضانات ليبيا أظهرت أزمات كثيرة طفحت على السطح، بعد أن فاق الجميع من هول الصدمة، إثر ضرب الطوفان العاتي الشرق الليبي، وتحديداً إقليم برقة، وبعد أن أفسد الحرث والزرع والمباني وقتل الإنسان، لدرجة أن درنة المدينة الليبية الزاهرة الجميلة تحولت إلى خراب وموطن أشباح، ومهددة بانتشار الأوبئة، بعد ثبوت تلوث المياه الجوفية فيها بسبب تحلل الجثث التي لا يزال لم يُدفن منها أكثر مما دُفن، بسبب صعوبة الوصول إليها.

مأساة إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة، فالسماع عنها ليس مثل الحديث عنها من وسط المعاناة، ورؤية أكوام الجثث في الشوارع. إنها نازلة كبرى حلت بليبيا... عائلات كاملة من الأبوين والأبناء والأحفاد وحتى الأجداد قضوا نحبهم جميعاً، لدرجة أنَّ هناك عائلات لم نجد كيف نعزيها أو من يقبل عنها العزاء حتى من الجيران لموتهم جميعاً.

التكاتف والنصرة الشعبية كانا حاضرين بل وفاقا التدخل الحكومي، حيث سارع كل من الغرب الليبي والجنوب وترفّع كلاهما على أي خلافات سياسية وجاءا إلى الشرق الليبي محملين بالإغاثة ومعدات الإنقاذ، في مشهد سالت فيه الدموع فرحاً، رغم الحزن المسيطر على الساحة الليبية جميعها لهول الكارثة الإنسانية.

ما حدث يصنف على أنه كارثة «disaster»، مما يعني اتباع إدارة مخاطر الكوارث، وهي عملية تستخدم التوجيهات والمهارات والقدرات العملية اللازمة لتطبيق الاستراتيجيات والسياسات للمواجهة، من أجل تخفيف الآثار السلبية، ولكن في الحالة الليبية ورغم وجود قانون منظم لحالة الطوارئ واختصاصاته، فإن إدارة الأزمة في الأيام الأولى كانت بنظام «الهَبَّة» أو التطوع غير المنظم، مما تسبب في فقدان كثير من القدرات البشرية وإنهاكها في جهد كبير ومردود ضعيف، ولكن بعد وصول الفرق الخارجية العربية والأجنبية صاحبة الخبرة الطويلة، تغيّر الموقف وبدأت إدارة الأزمة تسلك مساراً أكثر نضجاً.

المشكلات كثيرة ومتجددة لأن الكارثة حقيقة، أكبر من الحكومتين المتنازعتين على الشرعية في البلاد، وتحتاج لإدارة مستقرة وتعاون وخبرة دولية تفتقر إليها المؤسسات الليبية العاملة في المجال في مواجهة كارثة بهذا الحجم، خاصة أن ليبيا ليست بلد كوارث لموقعها الجغرافي واستقرار المناخ فيها، مما تسبب في تكاسل السلطات السابقة في تجهيز وتدريب فرق إسعاف وطوارئ وإنقاذ وإخلاء يمكنها التعامل بشكل سلس وخبرة مع مثل هذه الظروف.

حالياً ولحُسن الحظ لم تنتشر الأوبئة رغم تكدس الجثث في أول الأيام، ويدعم هذا تقارير المنظمة الصحية التي تقول إن جثث ضحايا الكوارث هي أقل خطورة في نشر الأوبئة؛ كونها لضحايا أصحاء وليست لمرضى، كما أن سرعة دفنها بالطرق الصحيحة سيجنب المنطقة انتشار الأوبئة.

ولكن المشاكل لا تنتهي، وسيبقى مصير أطفال درنة الذين فقدوا ذويهم قضية أخرى من حيث معالجة اضطراب ما بعد الصدمة خاصة للأطفال، وهذا يحتاج فرق الدعم النفسي المدربة، التي لا بد أن تباشر أعمالها الآن بسرعة من الزمن؛ خوفاً من الانعكاسات النفسية، وحتى لا يعاني هؤلاء الأطفال خاصة من كوابيس وأمراض أخرى في ظل غياب الدعم النفسي، الذي يتجاهله الناس، ويرونه ترفاً في ظل ظروف الإغاثة الطارئة، بينما يراه العالم المتقدم والطب من الأولويات مثله مثل تقديم الماء والطعام للناجين من الكارثة.

الدرس المستفاد للجميع من الكارثة هو وضع خطط مستقبلية للحد من مخاطر الكوارث بعد أن أصبحت الأعاصير والفيضانات وحتى الزلازل ضيوفاً غير مرحب بها في بلاد العرب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا ما بعد الصدمة ليبيا ما بعد الصدمة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 06:08 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

عطور نسائية تحتوي على العود

GMT 08:19 2022 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

أزمة الطاقة وسيناريوهات المستقبل

GMT 19:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الطرق الصحيحة لتنظيف الأثاث الجلد

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon