بقلم : د. جبريل العبيدي
تفجيرات بنغازي والليلة الدامية وبصمة الإرهاب، التي ظهرت واضحة في تفجيرات مسجد بيعة الرضوان، حدث الانفجار الأول بينما كان المصلون يغادرون المسجد عقب صلاة العشاء، تلاه الانفجار الثاني بعد تجمع المصلين والمسعفين حول جثث الضحايا لتنفجر السيارة الثانية بينهم وتوقِع عشرات الضحايا والجرحى بينهم أطفال دون العاشرة، جاءوا للصلاة في المسجد صحبة ذويهم، دون أدنى حرمة للمساجد التي جعلها الله آمنة لمصليها، ولم يسلم منها حتى الباعة في الشارع، حيث سقط بائع الخضار والخبز.
بالنظر إلى المكان والزمان والهدف والمستهدف، فإن بصمة التنظيمات الإرهابية واضحة، وهي تسعى لإحداث أكبر ضرر، إذ عمد الإرهابيون في التفجير الثاني إلى ضرب المسعفين والناس الذين جاءوا يستطلعون مكان التفجير، وهذا يؤكد منهج الجماعات الإرهابية الضالة وأنصارهم في تكفير عموم المسلمين، وجعلهم مرتدين «مباحة» دماؤهم حتى ولو كانوا أطفالاً، فالتفجير المزدوج سبق أن قامت به هذه الجماعات الضالة في مدينة القبة شرق ليبيا بالأسلوب نفسه، فالهدف والرسالة واضحة، فبعد خسارة التنظيمات الإرهابية المعركة في بنغازي لجأت إلى إيقاظ الذئاب النائمة، وإحداث أكبر ضرر ممكن بتفجير جبان يمكن أن يحدث في أي مكان من ليبيا، وليس هناك مكان آمن إذا توفر لها المناخ المناسب.
هذا البلد الآمن الذي كان أهله لا يعرفون هذه التفجيرات الجبانة، جاءت إليه ذئاب الإسلام السياسي فأفسدته، وحوّلته إلى ساحة حرب، خدمةً لأجندة شيطانية عالقة في رؤوسهم الفاسدة التي تنادي بالخلافة الخرافة.
وأدانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، التفجيرين الإرهابيين اللذين وقعا في مدينة بنغازي، واللذين أسفرا عن سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين، وذكرت البعثة أن الاعتداءات المباشرة أو العشوائية ضد المدنيين محرّمة بموجب القانون الإنساني الدولي، وأن مثل هذه الاعتداءات تعد بمثابة جرائم حرب في ليبيا.
التفجيرات الجبانة وسط المدنيين هي صناعة تفتخر بها الجماعات الإرهابية الضالة، التي تؤمن بالعنف سبيلاً للحكم والسلطة، وليس «داعش» وحده، بل أخواته وأنصاره من حوله من جماعات الإسلام السياسي التي تجد في المال القطري خزينة مفتوحة، وبيت مال لا يتوقف عن ضخ الأموال لإحياء هذه الذئاب المتعطشة للدماء، مما يجعل الحوار مع الجماعات الإرهابية نوعاً من العبث والحرث في البحر، وإضاعة للوقت، فقد أثبت الحوار فشله، ولم يؤتِ أُكُلَه مطلقاً، بل كان مجرد منح هدنة مجانية لهذه الجماعات الضالة لالتقاط أنفاسها، فهي لا تؤمن إلا بالقتل والغدر والخسة، وليس لدى أعضائها أي قدر من الشجاعة للمواجهة، فهم من جبنهم يختبئون وراء اللثم وإخفاء وجوههم ولا يجرؤون على المواجهة المكشوفة، خشية افتضاح أمرهم، وأعمال الخسة والنذالة والغدر يقومون بها تحت جنح الظلام مع الخفافيش وذئاب الليل.
في ظل استمرار التشظي والانقسام السياسي كما هو حاصل في ليبيا اليوم، ستكون هناك ليالٍ دامية، ليست في بنغازي وحسب، بل في أغلب مدن ليبيا، ما لم نسارع جميعاً إلى البحث عن مخارج للنجاة من الفوضى والانقسام، وإيجاد وسيلة فعالة لإيقاف المال التركي والقطري من التدفق عبر قاعدة معيتيقة وميناءي طرابلس ومصراتة، ولعل الانتخابات أحد هذه المخارج، وبالتالي فليعضّ الجميع على الجراح والمسارعة في لملمة شتات الوطن، لأنه لن يكون هناك أحد آمن حتى في بيته من هذه التنظيمات الإرهابية، التي ترى الجميع مرتدّين مباحة دماؤهم، بمن فيهم الداعمون لها سياسياً أو حتى عسكرياً بسفن المتفجرات كالسفينة أندرميدا.
ولهذا يصبح الاستمرار في حوار هذه الجماعات الضالة مضيعة للوقت مع مَن لا يؤمن بالدولة الوطنية المدنية، ولا يؤمن بالتعايش السلمي ولا الأمن المجتمعي.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه