توقيت القاهرة المحلي 08:11:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حدود الحرية في عالم اليوم

  مصر اليوم -

حدود الحرية في عالم اليوم

بقلم - جبريل العبيدي

إحراق المصحف بدلاً من قراءته وتمعن ما فيه، فكرة شيطانية تدفع نحو صراع الحضارات، وتعتبر مجاهرة بكره الآخر، وتعرقل التعايش والتسامح بين الأديان، بل تعبّر عن الخلل الأخلاقي الناتج عن خلل فكري جراء مفهوم براغماتي للحرية، فالحرية ليست مطلقة العنان للسباب والشتم وتسفيه الآخر ومعتقداته أو حتى إيذاء مشاعره.

فحرية الفرد ليست منفصلة عن حرية الجماعة ولعل المفكر روسو ذهب إلى أن مفهوم الحرية يقوم على تطابق بين إرادة الجماعة وإرادة الفرد، لأنها بذلك قد تتحول إلى فوضى، تتسبب في خطر يقع أثره على الجميع مما يجعل حرية الفرد مقيدة بسلامة المحيط، الذي ينتمي إليه، فحرية الفرد لا تعني مصادرة حرية الآخرين، كخروج الفرد عارياً مثلاً فهو حر في ذاته، ولكنه بهذا الفعل صادر حرية الآخرين، بل تسبب في الأذى لهم بتلويث أبصارهم بمشهده المؤذي، ويقاس على هذا الكثير.

ولكبح الجنوح في مفهوم الحرية، كما قال جون ستيوارت ميل: «السبب الوحيد الذي يجعل الإنسانية أو (جزءاً منها) تتدخل في حرية أو تصرف أحد أعضائها هو حماية النفس فقط، وإن السبب الوحيد الذي يعطي الحق لمجتمع حضاري في التدخل في إرادة عضو من أعضائه، هو حماية الآخرين من أضرار ذلك التصرف».

الحرية تقف وتقيد عند حدود إيذاء الآخرين، سواء في مشاعرهم أو معتقداتهم، فهي لا تعني إحراق الكتب السماوية أمام دور العبادة، سواء كانت للتوراة والإنجيل والقرآن أو حتى كتاب Gita (معتقد الهندوس) فجميعها كتبٌ لها من يعتقد بها، ولا يجوز إحراقها أو تدنيسها. المفهوم البراغماتي للحرية خلل فكري عائق أمام التعايش المجتمعي سلمياً، وهذا ما دفع البعض إلى إحراق مصاحف القرآن، الأمر الذي سيدفع نحو صدام مجتمعي، وألسنة اللهب قد تتطاير وتصل إلى أماكن أخرى، حيث لا يمكن السيطرة عليها ولا إطفاؤها.

إن إحراق الكتب يعدُّ من سلوكيات الجماعات المتخلفة والهمجية عبر التاريخ، كما فعل هولاكو ونيرون وكسرى، وإن كان سائداً في العصور المظلمة على أوروبا والعالم الغربي، وتكراره اليوم يعكس حنين البعض من الفاعلين إلى عقيدة هولاكو ونيرون. تم إحراق المصحف وتدنيس أوراقه رغم أنه كتاب الإسلام دين الله ومن الله، وهو دين تسامح، ولا يوجد به ما يدعو لكراهية الآخر، بل فيه «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِينِ» وجاء فيه أيضاً: «لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ». بل إن في القرآن سورة كاملة عن مريم البتول، وذكر اسم عيسى في القرآن 25 مرة، فيما ذكر سيدنا محمد 4 مرات فقط، ولا يوجد في القرآن ما يدعو إلى العنف، بل طالب المسلمين وأمرهم بالسلم إن جنح الآخر للسلم. الذي فكر في حرق المصحف لم يفكر في قراءته، في السويد التي من المفترض أن تكون مقراً للتعايش بين الأديان، إلا أن استمرار منح الإذن للمخبولين وأعداء التعايش السلمي بحرق المصحف وأمام مساجد المسلمين في السويد، محاولة استفزازية لمليار ونصف المليار مسلم في العالم بتفكير راعيها إحراق القرآن الكريم، تؤكد سياسة الدفع نحو التصادم بين الأديان، والتحريض على الكراهية ونشر ثقافة كره الآخر وعزله. المبررات التي تسوقها الحكومة السويدية لمنحها أذونات التظاهر ومهرجانات الحرق والكراهية، غير مقبولة ولا يمكن الاقتناع بها، رغم تلونها بشعارات «حرية التعبير» التي ستسقط عنها ورقة التوت لتتعرى أمام أول اختبار بالمساس بما هو معادٍ «للسامية»، أو محاولة حتى التشكيك في أعداد ضحايا الهولوكوست، وليست فقط في حقيقة حدوثها من أصلها. هذا يؤكد أن مبررات حكومة السويد مجرد أضاليل لتبرير سياسة انتقائية ممنهجة لا يمكن القبول بها في نظام عالمي جديد من المفترض أنه ينبذ خطاب الكراهية. ولكن لا أعرف لماذا لا يفطنون لهذا، ولم أجد مبرراً لهذا سوى المكابرة والسياسة البراغماتية والانتقائية التي ترى الحق والخير والحرية فيما يخدم مصلحتها وسيطرة العقد اللونية في جهل مطبق. السلم الاجتماعي من أكبر النعم، فإذا غاب برزت أنياب الشرور كلها، لا يصح أن تطغى فئة على أخرى، أو مجموعة على أخرى بأي حال من الأحول.هل من الممكن أن يخرج رجل وهو شهر سلاحة للناس من دون أن تقبض عليه الشرطة، هذا مستحيل أن يحدث في لندن مثلاً، وفي هذا المشهد سوف نرى فرقة مسلحة بل مدججة بالسلاح لعلاج هذا الموقف؟!هذا الموقف في نظري شبيه بما فعله الشاب العراقي الذي حرف المصحف. هذا تهديد صريح للتعايش والسلم الاجتماعي. وهو فضل مصلحته الشخصية بمحاولة تخريب التعايش السلمي، هو أراد أن يحرق أوراق العودة إلى العراق غصباً، فأراد أن يغصب الدولة على على قبوله فيها، ولو على حساب الأمن المجتمعي. النرجسيون دائماً هكذا، همهم أنفسهم لا غير.لسنا هنا في خضم تذكر سماحة الإسلام بل يكفي أن نقول إن برنارد لويس قال في كتابه the west and the middle east : «لقد نجح الإسلام في جمع التسامح الديني التقليدي فيما لم ينجح غيره».المتطرفون النرجسيون هم من يسعون إلى هدم التعايش السلمي، على العكس من المؤمنين في كل البلدان الذين يسعون نحو «الله محبة».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حدود الحرية في عالم اليوم حدود الحرية في عالم اليوم



GMT 09:41 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 09:40 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 09:35 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 09:33 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 09:32 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 06:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان
  مصر اليوم - تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon