توقيت القاهرة المحلي 02:20:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رحيل شيراك أوروبا والعرب وأفريقيا

  مصر اليوم -

رحيل شيراك أوروبا والعرب وأفريقيا

بقلم : د. جبريل العبيدي

رحل الدكتور والحكيم شيراك كما كان يسميه الراحل ياسر عرفات، وكان دائم الاتصال به طلباً للمشورة، شيراك الذي نهر رجال الشرطة الإسرائيلية المرافقين له ووبَّخهم في زيارة القدس، حين حاولوا منعه من الحديث مع الفلسطينيين.
شيراك الرجل الذي قال لأميركا «لا» في حرب العراق بلسان وزير خارجيته: «من دولة عجوز ومن قارة عجوز أقول لكم لا للحرب على العراق»، شيراك الذي حاول تخفيف ديون القارة الأفريقية عبر عدة مبادرات، جعلت منه صديق أفريقيا.
كان شخصية استثنائية فرنسية من جميع الأوجه السياسية والاجتماعية بل والثقافية، فالرئيس المثقف والرئيس الشاعر، فالثقافة كانت على رأس اهتماماته في شبابه عكس رجال عصره، حيث كان يخفي كتب الشعر والأدب خلف مجلات بلاي بوي، وليس العكس كما كان يفعل أقرانه، كما قالت زوجته، التي كانت هي الأخرى زوجة غير تقليدية، بل تركت بصمة في حياته وفي سياسة فرنسا، وإن كانت تسببت لشيراك في إدانته في قضية الوظائف الوهمية التي أدين فيها وحكم بسنتين سجناً مع وقف التنفيذ لكبر سنه، وإن كانت تلك القضية لم تؤثر في شعبية الرئيس الراحل.
شيراك الذي أطفئت أنوار برج إيفل، ونكست أعلام الجمهورية الفرنسية لرحيله، هو صديق العرب، لدرجة وصفه البعض بشيراك العرب، فهو الذي رفض حرب بوش على العراق في 2003. وثبتت صدق رؤيته في الانفلات الأمني وكارثة ما حدث بعدها في المنطقة، فشيراك هو الرئيس الفرنسي الأوحد بعد ديغول، الذي يقف نداً للأميركيين، بل وهدَّد في أكثر من مرة باستخدام الفيتو ضد قرارات تناصرها الولايات المتحدة.
لقد كان أول رئيس يعترف ويعتذر عن الحرب النازية، فشخصية شيراك كانت تتوازن بين شخصية الرئيس وهيبته وتواضعه وقربه من الناس، إذ كان صاحب شخصية تكتسح الشعبية المجتمعية كالبلدوزر، كما كان يصفه أغلب من تواصل معه أو جمعه اللقاء به.
لقد كان شعبياً مع الشعب، خصوصاً سكان دائرته الانتخابية التي أعطته صوتها نائباً لأكثر من 18 عاماً، حيث كان يحرص على الحديث والتواصل والاستماع إليهم؛ كبيرهم وصغيرهم، صفات يصعب أن تجدها عند سياسيي فرنسا اليوم، بل وحتى الأمس، منذ زمن غطرسة ماري أنطوانيت إلى زمن غطرسة وصلف ساركوزي، الذي وإن كان يردد أن لشيراك فضلاً كبيراً عليه، فإن نيكولا ساركوزي قد طعن معلمه وصاحب الفضل عليه.
رحيل شيراك جمع الفرنسيين أصدقاء وخصوماً على مديح الرجل، فبرحيله أصبح جزءاً من تاريخ فرنسا، وخسر الفرنسيون رجل دولة وأوروبياً عظيماً، شيراك «رجل فرنسا الأعظم» كما وصفه الحريري الابن، ليعبر عن افتقاده الأخ الأكبر له صديق لبنان، وصديق والده المغدور رفيق الحريري.
كلمات مديح رددها كثير من ساسة العالم لوصف جاك شيراك، الذي لم يكن قديساً، بل كان ثعلباً في السياسة ولم يخلُ ملفه من الاتهام بل الإدانة بالفساد، وإن كان في حجم مرتبات وظائف حكومية لا تتجاوز المليون يورو، مقارنة بمليارات الفساد اليوم في بلدان الخريف العربي، ومنها ليبيا التي ينهبها الجميع بالمليارات.
شيراك الذي يصفه بعض العرب بـ«شيراك العرب» كان يرى الجزائر «فرنسية» في صغره، وسعى للعمل التطوعي في المستعمرة الفرنسية، ليؤكد عقيدته «بفرنسية» الجزائر، وهذا أمر يؤخذ على شخصيته، التي وصفت فيما بعد بأنها عروبية الهوى. وإضافة إلى ذلك لم يتردد في التأكيد على أمن «إسرائيل». وعلى رغم هذا، فإن مواقفه في عهده الرئاسي، كانت في عمومها ليست ضد العرب وأفريقيا، وبالمقابل لم تكن ضد إسرائيل، فشيراك كان يحاول التعاطي بحالة من التوازن، من دون الاصطفاف في سياسة المحاور.
إنه شخصية استثنائية، في عالم السياسة، فهو السياسي «العصامي» الذي انطلق من الصفر، فليس شيراك وريثاً لإرث عائلي سياسي، لكنه حمل التواضع والتسامح مع العظمة والرفعة في شخصيته وتصرفاته.
وهكذا رحل بلدوزر السياسة الفرنسية جاك شيراك الاشتراكي الهوى والثعلب السياسي والسياسي المتواضع، الذي استطاع بموته جمع الفرنسيين؛ اليمين واليسار للحزن عليه، وعلى مدح تاريخه الغني بالأحداث.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحيل شيراك أوروبا والعرب وأفريقيا رحيل شيراك أوروبا والعرب وأفريقيا



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon