توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليبيا والمبعوثون الأمميون

  مصر اليوم -

ليبيا والمبعوثون الأمميون

بقلم: د. جبريل العبيدي

استقالة المبعوث الأممي السادس إلى ليبيا، غسان سلامة، بعد فشل كبير في جمع الأطراف الليبية وتقديم مشروع مقنع يجمع الأطراف ولو في غرفة وطاولة واحدة، فسلامة وريث فشل زملائه الخمسة السابقين، نتيجة لتعاطي الأمم المتحدة والبعثة الدولية بشكل خاطئ مع الأزمة الليبية، وإصرار الأمم المتحدة على المسار السياسي قبل التقدم في المسار الأمني في أزمة هي في الأصل أمنية في بلد غارق بالميليشيات المتنوعة الولاء والمشارب، بين مؤدلجة تتبع الإسلام السياسي تتقاسمها جماعات الإخوان و«القاعدة» وحتى «داعش»، وأخرى مناطقية جهوية نفعية، وأخرى عبارة عن تجمع للفارين من السجون الجنائية في زمن هيجان ما سُمي الربيع العربي.
لقد أصبحت العاصمة طرابلس «حارة كل من إيدو له»، فكيف يمكن التفاوض مع هذه الميليشيات المتعددة والإجرامية التي يوظفها تتنظيم الإخوان المسلمين، ويخرب بها حياة الليبيين. في كل شارع أو حي توجد عصابة متحكمة فيه، تريد أن تحكم، لتنهب المال العام.
سلامه الذي بدأ مهمته في ليبيا بتفاؤل كبير، ومن خلال نقاط جمعها عن أسباب فشل سابقيه، النقاط الثلاث عشرة التي حددها في خطابه إلى الليبيين استعرض فيها حزمة من أفكاره، شاركه في بعضها العديد من الليبيين، والتي من بينها أن اتفاق الصخيرات ممكن أن يكون مرجعية، ولكنها ليست مرجعية قرآنية؛ ولهذا يمكن فتح الاتفاق للتعديل، وليس كما فعل سلفه الأسبق بجعل الاتفاق نصاً لا يُمسُّ، رغم عدم وجود أدنى درجات التوافق فيه، مما جعله نصا ولد ميتاً؛ مما طرح حزمة من التفاؤل بقدومه، إلا أنَّ الأكاديمي اللبناني ابن القرية والمعاصر للحرب الأهلية اللبنانية - وهي صفات كانت ستثري تجربته الشخصية، مع مهارته الأممية كخبير وأكاديمي ستمكنه من خوض المهمة في ليبيا بشكل جيد وصحيح - إلا أنَّه فيما اتضح لاحقاً سرعان ما تعثر، وبدأت تزداد سقطاته لدرجة أن أصبح يتعاطى مع الملف الليبي بصفته مندوباً سامياً، مما جعله مرفوضاً من جميع الأطراف، والتي لم تجمعها طاولة واحدة جمعها الاتفاق على رحيل غسان سلامة.
سلامة ربما أخطأ في التعامل مع البرلمان الليبي، وهو الجهة الشرعية الوحيدة التي تمثل الشعب الليبي، ولم يأخذ ما يرتئيه البرلمان على محمل الجد، إذ أنه لا يمكن للبرلمان أن يكون طرفاً يتفاوض مع الميليشيات الإرهابية ويعترف بوجودها مهما كانت الأسباب. فالشرط الأول لدى البرلمان هو تخليص العاصمة من الميليشيات، بعدها يكون الحديث مع أية أحزاب أو قوى سياسية إن وجدت، بما يتمشى وسيادة الشعب الليبي. لذا فقد حدث تلاسن بين البرلمان وسلامة، ساهم في هذا الفشل.
إحاطات سلامة لمجلس الأمن غير منصفة، واستخدامه أسماء وكلمات قابلة للتأويل بأكثر من وجه أمر خالف فيه المهنية، بالنسبة لمبعوث دولي يجب أن يكون تقريره محدد الألفاظ والكلمات، من دون أن يكون لها تفسيرات متضاربة.
أجندة سلامة الأخيرة والتي بدأت في برلين وانتهت في جنيف، كانت مبنية على استدراج الأجسام السيادية - البرلمان ومجلس الدولة - إلى حوار جنيف بشكل فردي، 13 من كل فريق، رغم أن الرقم 13 رقم مشؤوم ويسبب رهاب ديكتروفوبيا، لكن سلامة اعتمده رقما لجمع الأطراف الليبية، ولهذا فشل في جمعها، وإن حاول جمع شخصيات بصفة مستقلين كان بينهم قيادات حزبية وإخوانية، الأمر الذي يستغرب عن مفهوم البعثة بقيادة سلامة لمفهوم العضو المستقل، الذي من المفترض أن يكون «تكنوقراطياً» وليس قيادياً في حزب يلبس عباءة مستقل في قائمة سلامة.
قد تكون السيرة الذاتية لغسان سلامة حبلى بالكثير، لتمكنه من فهم مجتمع كالمجتمع الليبي، ولكن الأزمة الليبية ليست أزمة ليبية خالصة، بل هي صراع بالوكالة وأجندات مختلفة وتقاطع مصالح وصراع على الكعكة الليبية، والنظر إلى ليبيا على أنها مجرد بئر بترول، وجميعها مجتمعة وهو ما عقَّد الأزمة، وجعلها أزمة دولية في ليبيا وليس مجرد أزمة ليبية.
لا أعتقد أنَّ مبعوثاً أممياً باستطاعته حلّ الأزمة الليبية، إلا إذا شخَّص الحالة الليبية وعرف خباياها، فليبيا اليوم يتآمر عليها تنظيمٌ شرسٌ نهشَها في غفلة من الزمن، واستولى على مؤسساتها، وهو تنظيم ليس له قاعدة شعبية، ويكرهه المجتمع الليبي، ولن تهدأ ليبيا وتستقر إلا بإزالته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا والمبعوثون الأمميون ليبيا والمبعوثون الأمميون



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon