بقلم: د. جبريل العبيدي
استقالة المبعوث الأممي السادس إلى ليبيا، غسان سلامة، بعد فشل كبير في جمع الأطراف الليبية وتقديم مشروع مقنع يجمع الأطراف ولو في غرفة وطاولة واحدة، فسلامة وريث فشل زملائه الخمسة السابقين، نتيجة لتعاطي الأمم المتحدة والبعثة الدولية بشكل خاطئ مع الأزمة الليبية، وإصرار الأمم المتحدة على المسار السياسي قبل التقدم في المسار الأمني في أزمة هي في الأصل أمنية في بلد غارق بالميليشيات المتنوعة الولاء والمشارب، بين مؤدلجة تتبع الإسلام السياسي تتقاسمها جماعات الإخوان و«القاعدة» وحتى «داعش»، وأخرى مناطقية جهوية نفعية، وأخرى عبارة عن تجمع للفارين من السجون الجنائية في زمن هيجان ما سُمي الربيع العربي.
لقد أصبحت العاصمة طرابلس «حارة كل من إيدو له»، فكيف يمكن التفاوض مع هذه الميليشيات المتعددة والإجرامية التي يوظفها تتنظيم الإخوان المسلمين، ويخرب بها حياة الليبيين. في كل شارع أو حي توجد عصابة متحكمة فيه، تريد أن تحكم، لتنهب المال العام.
سلامه الذي بدأ مهمته في ليبيا بتفاؤل كبير، ومن خلال نقاط جمعها عن أسباب فشل سابقيه، النقاط الثلاث عشرة التي حددها في خطابه إلى الليبيين استعرض فيها حزمة من أفكاره، شاركه في بعضها العديد من الليبيين، والتي من بينها أن اتفاق الصخيرات ممكن أن يكون مرجعية، ولكنها ليست مرجعية قرآنية؛ ولهذا يمكن فتح الاتفاق للتعديل، وليس كما فعل سلفه الأسبق بجعل الاتفاق نصاً لا يُمسُّ، رغم عدم وجود أدنى درجات التوافق فيه، مما جعله نصا ولد ميتاً؛ مما طرح حزمة من التفاؤل بقدومه، إلا أنَّ الأكاديمي اللبناني ابن القرية والمعاصر للحرب الأهلية اللبنانية - وهي صفات كانت ستثري تجربته الشخصية، مع مهارته الأممية كخبير وأكاديمي ستمكنه من خوض المهمة في ليبيا بشكل جيد وصحيح - إلا أنَّه فيما اتضح لاحقاً سرعان ما تعثر، وبدأت تزداد سقطاته لدرجة أن أصبح يتعاطى مع الملف الليبي بصفته مندوباً سامياً، مما جعله مرفوضاً من جميع الأطراف، والتي لم تجمعها طاولة واحدة جمعها الاتفاق على رحيل غسان سلامة.
سلامة ربما أخطأ في التعامل مع البرلمان الليبي، وهو الجهة الشرعية الوحيدة التي تمثل الشعب الليبي، ولم يأخذ ما يرتئيه البرلمان على محمل الجد، إذ أنه لا يمكن للبرلمان أن يكون طرفاً يتفاوض مع الميليشيات الإرهابية ويعترف بوجودها مهما كانت الأسباب. فالشرط الأول لدى البرلمان هو تخليص العاصمة من الميليشيات، بعدها يكون الحديث مع أية أحزاب أو قوى سياسية إن وجدت، بما يتمشى وسيادة الشعب الليبي. لذا فقد حدث تلاسن بين البرلمان وسلامة، ساهم في هذا الفشل.
إحاطات سلامة لمجلس الأمن غير منصفة، واستخدامه أسماء وكلمات قابلة للتأويل بأكثر من وجه أمر خالف فيه المهنية، بالنسبة لمبعوث دولي يجب أن يكون تقريره محدد الألفاظ والكلمات، من دون أن يكون لها تفسيرات متضاربة.
أجندة سلامة الأخيرة والتي بدأت في برلين وانتهت في جنيف، كانت مبنية على استدراج الأجسام السيادية - البرلمان ومجلس الدولة - إلى حوار جنيف بشكل فردي، 13 من كل فريق، رغم أن الرقم 13 رقم مشؤوم ويسبب رهاب ديكتروفوبيا، لكن سلامة اعتمده رقما لجمع الأطراف الليبية، ولهذا فشل في جمعها، وإن حاول جمع شخصيات بصفة مستقلين كان بينهم قيادات حزبية وإخوانية، الأمر الذي يستغرب عن مفهوم البعثة بقيادة سلامة لمفهوم العضو المستقل، الذي من المفترض أن يكون «تكنوقراطياً» وليس قيادياً في حزب يلبس عباءة مستقل في قائمة سلامة.
قد تكون السيرة الذاتية لغسان سلامة حبلى بالكثير، لتمكنه من فهم مجتمع كالمجتمع الليبي، ولكن الأزمة الليبية ليست أزمة ليبية خالصة، بل هي صراع بالوكالة وأجندات مختلفة وتقاطع مصالح وصراع على الكعكة الليبية، والنظر إلى ليبيا على أنها مجرد بئر بترول، وجميعها مجتمعة وهو ما عقَّد الأزمة، وجعلها أزمة دولية في ليبيا وليس مجرد أزمة ليبية.
لا أعتقد أنَّ مبعوثاً أممياً باستطاعته حلّ الأزمة الليبية، إلا إذا شخَّص الحالة الليبية وعرف خباياها، فليبيا اليوم يتآمر عليها تنظيمٌ شرسٌ نهشَها في غفلة من الزمن، واستولى على مؤسساتها، وهو تنظيم ليس له قاعدة شعبية، ويكرهه المجتمع الليبي، ولن تهدأ ليبيا وتستقر إلا بإزالته.