توقيت القاهرة المحلي 06:22:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليبيا ومخاطر التقسيم

  مصر اليوم -

ليبيا ومخاطر التقسيم

بقلم: د. جبريل العبيدي

ليبيا اليوم تواجه خطر التقسيم، بمشاريع متعددة الأوجه والنكهات والشعارات، ليس آخرها مشروع الأميركي سباستيان غوركا.
فليبيا اليوم تشهد محاكاة لسيناريو مشروع قديم هو «بين سيفورزا» الخاص بليبيا في عام 1949، الذي كان يقضي بفرض الوصاية الإيطالية على طرابلس، والوصاية البريطانية على برقة، والوصاية الفرنسية على فزان، فليبيا التي تشكّلت أولاً اتحادية في دستور 1951 في إطار اتحادي فيدرالي انتهى العمل به في عام 1963، بعد إلغاء الفيدرالية والإعلان عن ليبيا الواحدة الموحدة، يسعى البعض اليوم لتقسيمها من دون وجود عوامل عقدية أو طائفية أو إثنية أو حتى جغرافية. فليبيا البلد الصحراوي الذي لا تفصل مناطقه وأقاليمه أي جبال أو بحار ولا هو جزر مترامية الأطراف يصعب جمعها، وليبيا البلد المسلم الخالص مائة في المائة، صاحب المذهب الواحد واللغة الواحدة، بل نكاد نزعم السلالة الواحد، يُراد تقسيمه لمجرد اختلاف وتعدد المستعمر القديم الجديد!
الموقف الإقليمي كان دائم الرفض لأي مشاريع لتقسيم ليبيا، ولكن في ظل محاولات حركة النهضة أخونة الدولة التونسية، من خلال تدخلات الغنوشي رئيس حركة النهضة، مستغلاً منصبه رئيساً لمجلس النواب التونسي للتأثير والتدخل في الصراع في ليبيا لصف جماعة الإخوان الليبية في إطار ما يسميه «الحياد الإيجابي» عبر فرض مشروع الإخوان في غرب ليبيا، رفض الرئيس التونسي قيس سعيد تدخلات الغنوشي قائلاً: «تونس ترفض أي تقسيم لليبيا مهما كان الشكل الذي يمكن أن يتخذه هذا التقسيم».
من تبعات مشروع تقسيم ليبيا، تغيُّر الحدود والمياه الإقليمية بتغيُّر الجغرافية بالتقسيم، مما يعني مطالبة جميع دول جوار «ليبيا المقسمة» بإعادة ترسيم الحدود مع الدول الجديدة التي نتجت عن تقسيم ليبيا، ناهيك عن دول حوض البحر المتوسط التي سوف تقل مساحتها وعمقها في البحر، مما قد ينتج عنه فقدان حقول وامتيازات نفط وغاز في البحر المتوسط بحكم نزاع التقسيم والدويلات الوليدة.
خطورة تقسيم ليبيا وظهور دويلات وليدة ضعيفة أنهكتها الحروب، أمرٌ جلل، وستضيع جميع الأرصدة المالية المتاحة حالياً التي سوف تكون من نصيب العاصمة، ومعها ضياع جميع الأرصدة الليبية التي هي بالمليارات في الخارج إلى أجل غير معلوم، وسطو الدول الأجنبية عليها بالقانون لاختفاء صاحبها وتغير وضعه.
من أضرار التقسيم استمرار حالة الاحتراب، فالتقسيم لن يكون اللقاح الذي سيمنع الاحتراب، فستكون حقول النفط وآبار المياه أماكنَ نزاع واحتراب مستمر، في محاولة كل طرف الاستحواذ عليها وجعلها ضمن جغرافيا حدوده الجديدة.
تقسيم ليبيا من بين أضراره أيضاً إفلات جميع لصوص المال العام من القضاء، حيث ستسقط عنهم المطالبات والملاحقات القضائية، بسبب ضياع الدولة الموحدة التي كان لها حق ملاحقتهم لاسترداد الأموال المنهوبة منهم.
وعن التقسيم، كيف سنقسّم الديمغرافيا السكانية المتشابكة بين الشرق والغرب عبر مئات السنين؟ فهي ليست وليدة الاسم، بل ضاربة في مئات السنين، مما يجعل من الصعب اقتلاع جذور أصحابها شرقاً أو غربا، بل يعد ضرباً من الخيال المستحيل.
ليبيا الغارقة في التدخلات الخارجية والحرب بالوكالة ومحاولات تنظيم الإخوان والإسلام السياسي الاستحواذ على ليبيا كاملة أو حتى مقسمة ولكن بالنفط أيضاً، فالتنظيم الدولي صحبة التدخل التركي ومشروعه الاستفزازي الاستعماري، هدفه النفط الذي هو الهدف والغاية والوسيلة لمشروع «دولة المرشد» التي لا تعترف بالجغرافيا الوطنية للدول العربية والإسلامية، أو كما يراها السلطان الحالم إردوغان مشروع استعادة الخلافة العثمانية، الأمر الذي لا يتعارض مع «دولة المرشد».
فليبيا منذ إسقاط الدولة الليبية في 2011، وهي تتقاذفها أمواج التدخلات الأجنبية والجماعات المؤدلجة والمرتزقة ولصوص المال العام، فقد استقال المبعوث الأممي السادس إلى ليبيا غسان سلامة، بعد فشل كبير في جمع الأطراف الليبية، وتقديم مشروع مقنع يجمع الأطراف ولو في غرفة وعلى طاولة واحدة، وإصرار الأمم المتحدة على المسار السياسي قبل التقدم في المسار الأمني في أزمة هي في الأصل أمنية في بلد غارق بالميليشيات والعصابات الإجرامية وتوطين للفوضى بقرارات دولية.
تقسيم ليبيا لن يجني ثماره أحد، بل سيدفع ثمن أضراره الداخل والخارج الليبي على حدٍّ سواء، وسيكون المحيط الإقليمي المتراخي وأوروبا الغافلة عن المشروع التركي في ليبيا، أكثر المتضررين من هذا المشروع الخبيث إن مُكّن له.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا ومخاطر التقسيم ليبيا ومخاطر التقسيم



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 04:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم
  مصر اليوم - القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب

GMT 11:04 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

منة فضالي جمهورها بمناسبة عيد الأضحى
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon