توقيت القاهرة المحلي 17:17:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإعلام ومهنية تناول الخبر

  مصر اليوم -

الإعلام ومهنية تناول الخبر

بقلم - جبريل العبيدي

في ظل تهافت الداخلين على هذه المهنة بشكل مخيف عبر وسائل التواصل الاجتماعي وإفساد منهجية الإعلام ورسالته، يزداد العبء ثِقلاً على وسائل الإعلام التقليدية، التي تتحرَّى المهنية والرصانة في رسالتها.

لا شك أنَّ وسائل الإعلام التقليدية تستفيد استفادة هائلة من القفزات التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن لا بد من الحرفية، والحذر مما يدور في هذه الوسائل وكيفية معالجتها للأخبار والموضوعات الأخرى.

بيد أنني هنا سأتناول المسار التقليدي للإعلام ومهنة الخبر، سواء بنقله أو صناعته والمشكلات التي تواجهه، بين البقاء في مسار المهنية والدخول في مجاهل «صناعة» الخبر، بدلاً من انتظار حدوثه، فالتعاطي مع الخبر بشكل خاطئ، بتتبع الظن واستقصائه، هو مكمنُ الداء في الفشل الإعلامي من الجانب المهني، فهو يجعل من الحقيقة مغيبةً حتى في وجود شهودها، وهذا نتاج قصور عند البعض عن الإيفاء بمفهوم الإعلام بشكل مهني صحيح ومستقل عن مصدر التمويل، فالإعلام اليوم في كثير منه يقع بين إعلام إقصائي، ينهج منهج السباب والملاسنة الشخصية من دون معرفة بمبادئ ميثاق الشرف المهني، وحدود ثقافة الاختلاف واحترام الرأي الآخر، وبين إعلام آخر تهيمن وتسيطر عليه آيديولوجية خاصة، ترفض غيره وتحصره في جماعتها، ويصادر أي فكر غيره.

الإعلام خاصة بشكله الفضائي المحلي والعالمي - في أغلبه - أضحى يفتقد كثيراً للحقيقة والموضوعية والشفافية والمهنية، بسبب أنه يتعاطى مع الخبر بشكل خاطئ، ودعونا نستعير مقولة ابن النفيس الذي قالها قبل ثمانية قرون: «وأما الأخبار التي بأيدينا الآن فإنما نتبع فيها غالب الظن لا العلم المحقق». يجعل من الحقيقة مغيبة حتى في وجود شهود العيان، ويصوغ الخبر بعين عوراء.

المفهوم الخاطئ عن الإعلام، جعل المواطن والمتتبع العادي، في حيرة وذهول من هذا المشهد الملوث بإعلام متشابك، يقدم له الخبر من دون أدنى معيار للمهنية تضمن عناصره الستة (متى حدث الخبر، وأين، وماذا، وكيف، ومن، ولماذا) من دون إقحام الرأي ضمن تحليل الخبر، وإلا أفقدته الموضوعية والشفافية، التي تكاد تكون منعدمة في صياغة أخبار معظم وسائل الإعلام الحالي، المتخبط والمرتبك من دون وجود المعيار الحقيقي لأي إعلام ناجح يسعى لأن يقدم الخبر بشكله الصحيح.

لا شك أنَّ الإعلام الفاسد يبدأ بالخبر الفاسد، ولكن ما يميز الإعلام الناجح هو امتلاك الحرية والمصداقية في التعبير، وتوفر إرادة المخاطبة والحيادية التامة، والابتعاد عن إقصاء الرأي الآخر، أو التعتيم عليه، في ظل وجود فضاء مفتوح متعدد المصادر، للحصول على الخبر ومنافسة بين وكالات الأنباء في الخبر العاجل، والتأثير في الرأي العام على حساب الحقيقة، وأصبحنا لا نشاهد الصورة إلا مجتزأة في وسائل كثيرة، ما يضطرنا للبحث في مصادر متعددة لاستكمال الصورة، فتتفاجأ بالتلاعب بالخبر وصورته، بل وضع عنوان للخبر لا تجده في متنه من أجل تزييف الحقيقة.

رغم الزخم الكلامي، والفضائيات الجديدة التي كثرت، ووسائل الإعلام الأخرى، فإن الصورة لا تزال مجتزأة والحقيقة لا تزال غائبة في أغلب أخبارها، أو تكاد تكون مغيبة بالمعنى الأصح، فالحقيقة موجودة إلا أن ثمة عوامل تحجبها.

إنَّ الخطر يكمن في وجود إعلام قوي يروج لفكر خاطئ، مقابل إعلام متأخر عنه في الأداء وسرعة التفاعل وتناول الخبر والتحليل. لذا، فإنَّ على الوسائل الرصينة أن تنتبه لهذا الأمر وتعيره اهتماماً كبيراً.

مما يميز الإعلام الناجح في مخاطبة الآخر أنه لا يسعى إلى إقصاء محاوره أو تظليل فكرته، بل يجعلنا نشعر برغبته فعلاً في الاستماع قبل الإسماع، إعلام يمتلك الحرية والمصداقية في التعبير وإرادة المخاطبة والحيادية التامة، والابتعاد عن إقصاء الرأي الآخر، فحينها تكون للإعلام وللحوار وللمخاطبة مصداقية، فالإعلام المهني هو الذي يتعاطى مع الخبر ضمن معايير المهنية، ولا يلتفت للربح والخسارة والجري خلف المانشيت وخبر السراب المضلل.

نحن اليوم في حاجة إلى إعلام شفاف مهني لا تحركه الإشاعة كمصدر لاستسقاء الأخبار، في ظل وجود محطات التواصل المجتمعي من «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما، التي أصبحت تعج بالكذب والتضليل والصدق وما بينهما، حتى أصبحت محركاً للمزاج العام للشعوب لمن استطاع إدارتها.

فالخبر الكاذب لا يدوم إلا بتكرار نشره، أما السكوت عنه فهو يميته، كما جاء في الأثر: «أميتوا الباطل بالسكوت عنه».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإعلام ومهنية تناول الخبر الإعلام ومهنية تناول الخبر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon