بقلم: د. جبريل العبيدي
في كل إحاطة يقدمها سلامة لمجلس الأمن، يثير جدلاً واسعاً بسبب رؤيته غير الدقيقة للأزمة الليبية، بعد هذا البطء في التقدم بالملف الليبي، بسبب القراءة الخاطئة للأزمة.
المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة خلال إحاطته في 4 سبتمبر (أيلول) الحالي، أكد أن «الأمم المتحدة باقية في ليبيا»؛ دون أن يقدم سلامة أي ضمانات أو مشروع أو خطة أو خريطة طريق ناجعة يمكن التعويل عليها للخروج من أزمة البلاد؛ المتفاقمة لسنوات بسبب القراءة غير المحكمة لمبعوث الأمم المتحدة الحالي وسابقيه، للأزمة الليبية، التي هي في الواقع أزمة أمنية بامتياز؛ وليست سياسية كما تفترض البعثة الدولية ومن خلفها الخمسة الكبار بمجلس الأمن.
المجهود الحربي للجيش الليبي هذا ما ينبغي أن تركز عليه بعثة الأمم المتحدة، لأن هذا المجهود يسعى لاستعادة البلاد من الميليشيات والعصابات المسلحة التي نهبت البلاد وأرعبت العباد.
سلامة، للأسف، قدم إحاطة مخيبة؛ بل ومضللة لمجلس الأمن، تجاهل فيها الأعمال العدائية التي تقوم بها الميليشيات، وما ذكره من جرائم نَسَبَه للمجهول؛ رغم أن الفاعل معلوم بالأدلة والإثباتات، ومنهم من يقصف مطار معيتيقة، وكاد يتسبب في مقتل العشرات من حجاج بيت الله الحرام الآتين إلى مطار معيتيقة. وكان سبق لسلامة أن اعترف بمعرفته الفاعل وهدد بذكر اسمه، إلا أنه تجاهله في إحاطته يوم الأربعاء 4 سبتمبر الحالي.
سلامة وصف أيضاً الجيش الليبي وقائد الجيش الليبي، بالوصف نفسه الذي يستخدمه إعلام تنظيم «الإخوان»: «قوات اللواء حفتر»؛ وهو يعلم أنها ليست «قوات اللواء حفتر»؛ بل هي «قوات الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر» وأنها قوات معترف بها، ومكلفة من مجلس النواب الليبي؛ السلطة الشرعية.
إحاطة سلامة كانت حشواً لفظياً وسرداً لأحداث وتُهَم، وتوصيفاً مشهدياً خاطئاً، وكلها تنقصها الأدلة والإثباتات، حاول فيها الربط بين توقف العملية السياسية وتقدم قوات الجيش الليبي لتحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات، في حين تناسى أن «اتفاق أبوظبي» الذي حضره سلامة والسراج في حضرة المشير حفتر قائد الجيش الليبي، كان اتفاقاً حول دخول الجيش الليبي العاصمة، وتسلم مهام أمنها وتأمينها وطرد الميليشيات منها، الأمر الذي سرعان ما نكث العهد به السراج .
إنَّ تقدمُ الجيش الليبي نحو العاصمة طرابلس كان تنفيذاً لـ«اتفاق الصخيرات» الذي نصَّ على خروج الميليشيات من العاصمة، وتنفيذاً لـ«اتفاق أبوظبي» الذي تنصل منه السراج؛ الواجهة السياسية للحشد الميليشياوي في طرابلس.
الأزمة الليبية في الواقع أزمة أمنية بعد إسقاط الدولة الليبية في فبراير (شباط) 2011 بفعل ضربات الـ«ناتو» التي دمرت أغلب المعسكرات والقواعد العسكرية للجيش الليبي، وانهيار المنظومة الأمنية للبلاد، مما تسبب في تشكّل الميليشيات بشتى أنواعها؛ المؤدلج الذي ينتمي إلى «القاعدة» و«داعش» وتنظيم «الإخوان»، والعصابات الإجرامية التي تشكّلت بعد فرار أكثر من 50 ألف سجين من السجون الجنائية في البلاد، والتي تنفذ عمليات خطف وابتزاز لصالح من يدفع أكثر.
فليبيا ليس بها خلاف سياسي حقيقي، بل هي أزمة أمنية بامتياز، وعندما استطاع الجيش الليبي استعادة بعض قوته وتنظيم صفوفه بدعم من القبائل والقوى الوطنية الليبية التي تؤمن بالدولة الليبية، تكالبت عليه القوى الشيطانية؛ وعلى رأسها تنظيم «الإخوان»... إخوان البنا وقطب، بالتآمر تارة، وبالاغتيال لبعض من قيادات الجيش تارة أخرى لثنيه عن الاستمرار في تطهير البلاد.
استطاع الجيش الليبي معالجة الوضع الأمني في أغلب المناطق التي حررها من سيطرة الميليشيات، بكفاءة عالية، مما يعني أن الأزمة في ليبيا أزمة أمنية بالدرجة الأولى؛ فيما لا تزال البعثة الأممية «باقية وتتمدد» للحفاظ على مرتبات سلامة وبعثته، دون أن يدرك وتدرك بعثته كُنه الأزمة الليبية، ومفاتيح حلها.