بقلم - د. جبريل العبيدي
ليبيا تشهد مخاضا عسيرا لـ7 سنين عجاف، للتوافق على دستور وطني، يعتبر بمثابة عقد اجتماعي يحقق السلم المجتمعي، في حين كانت ليبيا زمن الاستقلال تنعم بدستور كتبه الآباء المؤسسون، كان من بين أفضل الدساتير في حينها 1951، حيث كفل حق المواطنة كاملا غير منقوص، وحفظ عروبة ليبيا وهويتها قبل أن يُعطل العمل به عام 1969، إذ كانت البلاد تُحكم بما سمي بـ«الشرعية الثورية» و«النظام الجماهيري» و«النظرية العالمية الثالثة» المتمثلة في الكتاب الأخضر، عكس إرادة الجماهير.
وعلى الرغم من أن حراك فبراير قد انتقى وأخذ العلم والنشيد شعارا له من دستور الاستقلال، فإن جماعة الإخوان التي قفزت إلى قيادة الحراك في فبراير 2011، استطاعت خداع كثيرين بكتابة إعلان دستوري بديل بحبر إخواني يخدم مشروع التنظيم والجماعة الضالة، ورفضت العودة إلى دستور الاستقلال، الذي لم يلغه القذافي، بل إنه في خطابه الأخير استشهد به، وحمل أوراقه بين يديه ملوحا للشعب بأن الدستور والقانون يكفل له ملاحقة من يحمل السلاح ضد الدولة، في إشارة إلى منظمي حراك فبراير.
معاناة كتابة الدستور الجديد وصياغته انتهت جلستها الأخيرة بين تلاسن وتراشق بالأيدي داخل قبة البرلمان، ورصاص لعلع خارج قبته، ما تسبب في إصابة أحد النواب.
توافق الحضور على إقرار الثلث المعطل، الأمر الذي قد يزيل الحواجز أمام الاستفتاء على الدستور، الذي وُصف بأنه دستور كتب بحبر جماعة الإخوان لتكريس المركزية والمغالبة، وصِيغ بعبارات قابلة للتأويل على أكثر من وجه، ناهيك عن إسقاطه الهوية العربية لليبيا التي يسكنها أكثر من 96 في المائة من الأسرة العربية القحة، الأمر الذي يؤكد اللمسة الإخوانية لتنظيم الجماعة الضالة، التي تحقد على العروبة بشكل مطلق، وهذه الجماعة هي من يختطف العاصمة طرابلس التي يتفادى الجيش مؤقتا تحريرها منهم تفاديا لمجزرة دموية سيتسببون فيها.
التوافق تم على أن يتم التصويت على آلية الاستفتاء على الدستور في 3 دوائر، يشترط حصول كل دائرة على «50 في المائة + واحد»، وذلك بعد تعديل المادة السادسة من الإعلان الدستوري، التي كانت تعتبر الدستور نافذا بمجرد الحصول على الثلثين في عموم ليبيا، ولو كانت في جهة واحدة، الأمر الذي اعتبر حالة من المغالبة، خاصة أن الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور تم إقرارها وانتخابها على أساس 3 دوائر تحمل الاسم القديم (طرابلس وبرقة وفزان) وليس دائرة واحدة، الأمر الذي يتطلب أن يكون التصويت 3 دوائر حيث أعلن الناطق باسم المجلس التوافق على إرجاء التصويت على مشروع قانون الاستفتاء، إلى حين تحصينه دستورياً.
ويبدو أن المبعوث الدولي غسان سلامة يغرد خارج السرب حيث قال: «نحن ذاهبون نحو الانتخابات في 2018، حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق». الأمر الذي يعتبر غير مقبول من مسؤول أممي ينحصر دوره فقط في جمع الأطراف، وتسهيل فرص التفاوض والتحاور بينها، دون إملاء أي شروط أو قرارات نيابة عن الليبيين، كما يفهم من تغريدته، التي لا يمكن تفسيرها إلا أنها ضد إرادة معظم الليبيين.
والخشية من تقسيم البلاد بمجرد تقرير الاستفتاء وإقرار الثلث المعطل، لا أساس لها، فما يربط ليبيا وأقاليمها الثلاثة التاريخية، ليس مجرد قرار برلماني أو زواج قسري كما زعم وادّعى الكاتب الأميركي جوستين ريموندو، بل هو الدم والنسب والمصاهرة والتاريخ والجغرافيا واللغة والدين، وهي من أشد المكونات قوة، والتي تحقق الوحدة الوطنية في تشكل الدول، فليبيا لو تركت وحدها وتم تحييدها عن الصراع الدولي والإقليمي لتنافس شركات البترول والتصارع بينها مثل «إيني» و«توتال» و«بريتش بتروليوم» وغيرها، لأصبح هذا البلد من أفضل البلدان في التعايش المجتمعي، لشدة التجانس والمكونات الرابطة بين سكانها.
وحتى لو اتجهت البلاد نحو الفيدرالية، فلا أعتقد أن هناك خشية وفوبيا مثلما يرى البعض، فالفيدرالية لا يمكن لها أن تقسم البلاد، إنما هي لتسهيل الخدمات والأعمال ومرونة الإجراءات، فليبيا حُكمت فيدراليا منذ استقلالها عام 1951 إلى عام 1963 عندما ألغيت الفيدرالية، ومع هذا لم تنقسم ليبيا ولم تتفتت، بل ازدادت تمسكا واندماجا، رغم حكمها بالنظام الاتحادي الفيدرالي لعشرات السنين.
وليبيا لا يمكن أن تقسم، مهما كان الأمر، وهذا أمر محسوم لدى كل الليبيين وسيبذلون أرواحهم من أجله.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع