بقلم: د. جبريل العبيدي
تعالت أصوات الأحزاب التونسية المطالبة، بعدم التدخل في الشأن الليبي، وعدم تحويل التراب التونسي لقاعدة لوجيستية لحرب إردوغان في ليبيا، وطالبت الأحزاب بتوقف تدخل زعيم حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي، ورئيس البرلمان التونسي في الشأن الليبي، بل إن هناك من طالب بمساءلته برلمانياً، بعد موجة غضب واتهامه بالتبعية للخارج، وانتهاك السيادة الوطنية.
بل إن رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي قالت إن «راشد الغنوشي حوّل البرلمان إلى وسيلة لتنفيذ أجندة إخوانية في المغرب العربي». وقالت أيضاً إن «مجلس النواب أصبح مزرعة خاصة وشخصية لشيخ الإخوان».
كتلة الحزب الدستوري الحر في بيانها اتهمت الغنوشي بالقيام بتحركات غامضة مخالفة للقوانين وللأعراف الدبلوماسية من خلال عقد اجتماعات مغلقة وغير معلنة مع الرئيس التركي إردوغان الذي يخوض تدخلاً عسكرياً في ليبيا. والمعروف أن راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي هو رئيس حزب النهضة الذراع السياسية لجماعة الإخوان، والتي هي على وفاق مع حزب العدالة والتنمية المسلح في ليبيا، رغم نفي حزب النهضة لهذه الاتهامات.
كتلة الحزب الدستوري الحر في البرلمان التونسي، قدمت مشروع لائحة تهدف لإعلان رفض البرلمان للتدخل الخارجي في ليبيا، ومناهضته لتشكيل قاعدة لوجيستية داخل التراب التونسي للحلف التركي القطري، وذلك في ظل وجود تقارير عن هبوط طائرات تركية في الجنوب التونسي محملة بمواد في طريقها إلى ليبيا، في حين أن المطارات الليبية، وخاصة مطاري مصراته وطرابلس، مفتوحة يمكن الهبوط فيها، في تزامن مع عودة القيادي أبو حازم (خالد الشريف) العنصر في الجماعة المقاتلة فرع «القاعدة» الليبي من تركيا مع وجود تقارير استخباراتية بتكليفه نقل أسلحة للداخل الليبي، وفق تصريح الناطق العسكري في الجيش الليبي.
لقد أعلنت الأحزاب التونسية الستة رفضها لسياسات الغنوشي واتهمته بارتهان الإرادة والسيادة الوطنية، بل وحتى تأجير مساحات من التراب التونسي من خلال محاولات تمرير اتفاقيات اقتصادية مع تركيا وقطر اعتبرتها هذه الأحزاب التونسية اعتداء على السيادة الوطنية.
وقد سبق أن واجه الغنوشي موجة حادة من الانتقادات، بسبب ما وصف بالدبلوماسية الموازية التي حاول من خلالها سلب اختصاصات رئيس الجمهورية في الشأن الخارجي، والتي نهجها الغنوشي أثناء اتصالاته وزيارته الخارجية، وخاصة مع تركيا وليبيا وقطر من دون علم البرلمان بالأسباب وما جرى في الزيارة الأخيرة لتركيا، التي حاول الغنوشي التخفيف من أزمتها بالقول إنها كانت زيارة شخصية، في حين الحقيقة أن الزيارة كانت في القصر الرئاسي وليس منزل إردوغان الخاص، وهي الزيارة التي قال عنها الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي إن «زيارة الغنوشي إلى تركيا بصفته الرسمية رئيس مجلس نواب من دون المرور عبر القنوات الرسمية، ضرب للسيادة الوطنية». فعلاقة الغنوشي وإردوغان والتغني بالحقبة العثمانية، وخاصة تمجيده للحقبة العثمانية، وسنان باشا الذي وصفه بمحرر تونس، وتجاهله لدور الزعيم الحبيب بورقيبة، كل ذلك وضع الغنوشي في أزمة.
فهل سيواجه الغنوشي في تونس مصير مرسي العياط، خاصة أن الأخير تمت ملاحقته بتهم التخابر مع الخارج، وتأجير أرض سيناء، والغنوشي الآن يواجه اتهام الأحزاب له بعقد الاجتماعات المغلقة، والتدخل في السياسة الخارجية التي هي من اختصاص رئاسة الجمهورية، وليس رئيس البرلمان الذي يجب أن يخبر البرلمان بزياراته واجتماعاته، بل ويجب أن يرافقه فريق من النواب يمثل جميع الكتل في البرلمان في أي زيارة خارجية، بينما الغنوشي يلتقي مع إردوغان سراً وعلى انفراد، الأمر الذي أثار حالة من الاستياء والغضب بين البرلمانيين والأحزاب التونسية.
ولكن أحرار تونس والقوى الوطنية التونسية ممن تتلمذوا على المدرسة البورقيبية سيحافظون على الحياد التونسي، وسياسة النأي بالنفس عن التدخل في الشأن الخارجي لدول الجوار، ولن يسمحوا بجعل تونس منصة انطلاق الغزو التركي نحو ليبيا، فليبيا تعرف كيف تدافع عن نفسها بجميع الطرق المشروعة، والجيش الليبي قادر على دحر العدوان والدفاع عن ليبيا.