بقلم - فيصل العساف
لم يكن للسعودية من خيار في العراق سوى الوقوف متفرجة أمام كم التجاذبات داخلها، فـ «بصلة» الاحتلال الأميركي و «قشرتها» من الساسة العراقيين الطائفيين، لم يشأ السعوديون الدخول بينهما على الإطلاق. هل تغير العراق اليوم؟ ليس تماماً، ولكن الدلائل تشير إلى تبدُّل المزاج الشعبي، الذي أزكمت رائحة الاستقطابات الكريهة أنفه.
إلى وقت قريب، كانت الصورة التي ترسمها وسائل التواصل الاجتماعي لدى السعوديين عن العراق والعراقيين، قاتمة جداً، تملأها محاضر الاتهام والادعاءات الباطلة، حتى أتت تلك اللقطات من ملعب البصرة، لجماهير عراقية من مختلف الأجناس والطوائف. كانت «فطرة» الأخوّة عنوان هتافاتها على مدار شوطي اللقاء الذي جمع الفريقين السعودي ونظيره العراقي، لتمثل صعقة كهربائية على صدر العلاقة التي كانت في حال احتضار. عاد العراقيون معها مجدداً إلى اعتلاء عرش المودة في صدور السعوديين، بلا مقابل أو رجاء شيء على الإطلاق، سوى أن تستعيد بلادهم عروبتها وهيبتها من براثن إيران وأتباعها فيها.
لنكن أكثر واقعية، ونتحدث عن أسباب الجفوة- المفتعلة- بين البلدين الجارين.
في الحقيقة، ليس لدى السعودية ثأر مع أحد في العراق، وإن كان هنالك من «ضغينة» فالواجب أن تكون ضد النظام الذي ضرب عاصمتها ومدنها بالصواريخ، وكلف خزانتها بلايين الريالات بغزو الكويت، لكن هذا الفاعل المفترض كان الراحل الملك عبدالله قد نقضه من أساسه، عندما قدّم عربون نسيان السعوديين للماضي على طبق من محبة إلى العراقيين، بعناقه الحار وعلى رؤوس الأشهاد لنائب الرئيس العراقي- يومها- عزت إبراهيم، في القمة العربية التي انعقدت أعمالها في بيروت 2002. أما ادعاء دعم الجماعات الإرهابية المتطرفة، تلك الحجة التي يدندن حولها «مصاصو» دماء العراقيين، فإن الرد على هذا الاتهام الباطل لا يتطلب من «أحرار» العراق سوى الرجوع إلى محرك البحث غوغل، حتى يتأكدوا أن السعودية سبقتهم بسنوات في استهداف تلك المجاميع الإجرامية لها، وليس ذنب السعوديين أن يتخذ أرباب الفكر الضال من بعض الفتاوى منصة انطلاق تبرر طغيانهم، تماماً مثلما أن الشيعي العراقي البسيط الذي يعاني الأمرين اليوم، لا يتحمل أوزار الفتاوى الطائفية التي تتناقلها ركبان شذاذ الآفاق، الذين اتخذوا من العمامة بيدقاً في مشروع تمكين إيران من خيرات أرضهم، في مقابل حظوظ السلطة، وفتات المال!
السعودية التي تبني، ليس لديها طموح في الزعامة على حساب أحد من أشقائها، وإلا ما كانت لتتحدى رغبة «الحليف» الأميركي في مصر، وتدعم بكامل ثقلها ثورة الشعب في 30 يونيو المجيد. أرجو أن يفهم ذلك من لا يزال في قلبه شيء من بواقي الحشد ضد هدفها الوحيد والأهم وهو استقرار منطقتنا الملتهبة، خصوصاً الأخوة في بلاد الرافدين، الذين عليهم أن يستوعبوا جيدا أن الطموح السعودي النهضوي ليس له أن يستقيم، في ظل تهميش العراق العريق.
العراق ليس إيران، مهما حاول «البعض» أن يجعل منه باحة خلفية أو أمامية للمشروع الإيراني الهدام، العراق منا نحن العرب رغماً عن تلك الأهداف الأحادية البغيضة في قالبها الطائفي الهش الذي فنّدته انتماءات العراقيين الأصيلة، أما السعودية فإنها ليست تلك «الدويلة» الصغيرة الهامشية التي تحمل طموحات الزعامة الكذابة. السعوديون أيها السادة لا يقومون على أنقاض غيرهم، وإنما إلى جانبه. السعوديون الذين خاطروا بأرواح أبنائهم من اللاعبين والإعلاميين، لأجل بث الروح في رياضة العراق من جديد، على استعداد تام أن يبذلوا كل إمكاناتهم في سبيل استعادة العراق لدوره المحوري في المنطقة، راعياً للعلم والأدب ونشر الحياة.
نقلا عن الحياة اللندنية