بقلم - فيصل العساف
«اعتبروها كوبا»، هكذا أجاب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان نخبة إعلاميي مصر حين كان في زيارة لها، وتطرق الحديث إلى قطر. أراد الأمير تحجيم القضية الخلافية في إشارة ذكية، فقد مضى البلدان «الجاران» كلٌّ في طريقه وإلى مصيره، أميركا العظيمة، فيما تقبع كوبا كاسترو الشيوعية في ذيل قائمة التاريخ والجغرافيا، متأخرة عن العالم بعشرات السنين.
في الواقع، الأمير وضع الأمور في نصابها، في الشكل الذي يؤطر المرحلة الحالية من مراحل ما يمكن تسميته مجازاً «أزمة»، تقديراً للروابط التي «كانت» تجمع قطر بدول المقاطعة قبل نزوع الحمدين إلى شر أعمالهما، وإلا فإن الأزمة الحقيقية هم أولئك الطغمة المخربة في الجسد العربي، التي سعت بما أوتيت من مكر ومال وأبواق إلى تفتيته ونهشه، فلم تترك أمامه من طريق للمحافظة على بقاياه سوى اقتلاعهم من جذورهم. السعودية قطعت علاقتها بإيران على سبيل المثال، ولم تشهد المنطقة ولا العالم ضجيجاً كهذا الذي يصدر عن القطريين، كما أن السعودية لا ترتبط بعلاقات فوق الطاولة ولا تحتها مع الفتاة المدللة للعالم «القوي» إسرائيل، ومع ذلك لم يعتبر أحد أن تلك أزمة. الدول حرة في تسيير ديبلوماسيتها كيفما تشاء، ما دام أن ذلك لم يصل إلى الإضرار بالآخرين، وهو ما يؤكده القطريون عند المفاخرة بعدم تأثرهم بالمقاطعة في جميع المحافل، عدا تلك التي يرجون منها مواقف مناهضة تفسح المجال أكثر أمام مخططاتهم الصبيانية للنيل من «أشقائهم».
في أميركا، تميم بن حمد يلتقي ترامب في زيارة يمكن وصفها بالمفاجئة، إذ لم يعلن عنها مسبقاً كما هي العادة في الزيارات التي تتم بين رؤساء الدول. اللافت في ذلك اللقاء هو شكر تميم للرئيس الأميركي على جهوده التي بذلها «لإنهاء» ما وصفها بالأزمة الخليجية! في واقع الأمر، هي لم تنته بعد، كل ما هنالك أن أمير قطر مارس دور وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحّاف، الذي أدار الحرب الإعلامية خلال الغزو الأميركي لبلاده، أراد تميم ذر الرماد في عيون وسائل الإعلام التي كانت تحاصره في قاعة الاستقبال في البيت الأبيض بإشارات دعم بلاده للإرهاب. الشيء ذاته هو ما تقوم به الآلة القطرية الإعلامية، إذ عمدت خلال الأيام الماضية إلى الترويج لخبر كاذب حول المكالمة الهاتفية التي جرت بين الملك سلمان وترامب، في محاولة يائسة لنشر إشاعة غضب الرئيس الأميركي «الشديد» من استمرار المقاطعة! في اعتقادي أن وسائل الإعلام تلك، إنما كانت تجتهد للتغطية على شيء مهم للغاية، وأن الأمر برمته لا يتعدى مقدمات الرضوخ لمطالب الدول الأربع. دعونا نحلل تداعيات الأسبوع الماضي بالنظر إلى ما وراء الحدث، فالرئيس الأميركي هاتف أمير قطر أيضاً، ولعله من المهم الإشارة في هذا المقام إلى تصريحات الرجل النافذ في قطر حمد بن جاسم، والتي أطلقها بعد تلك المكالمة في شكل مباشر، ذكر الوزير السابق على حسابه في موقع «تويتر» حاجة الخليج إلى «إصلاح ما دمر من علاقات»، منتقداً في السياق ذاته دفع بلاده «للوبيات في الدول صاحبة القرار»، الأمر الذي يشي بخسارة الرهان القطري على سقوط ترامب بالفضيحة! يشار هنا إلى أن العلاقة التي تربط صقور الحزب الجمهوري تحديداً بالسعودية، تاريخية ومتينة، كما أنه من المهم التذكير بالانتقادات الحادة التي لا يكف ترامب عن توجيهها لمحور كلينتون- أوباما، والذي يضم في طبيعة الحال كلا من قطر تركيا وإيران، وفي ذلك دلالة على أن القطريين «وحلفاءهم» أسقط في أيديهم، فالخيارات باتت في حكم المشلولة أمام مراوغاتهم.
يدرك حلفاء الرباعية أن قطر لن تتغير ما لم تجبرها عوامل التعرية السياسية على ذلك، تجربتهم معها على مدار الـ20 عاما المنقضية جعلتهم يصدرون حكمهم النافذ عليها، شروطهم واضحة والخيارات أمامهم مفتوحة، أما القمة العربية التي انطلقت أعمالها في السعودية فإن لديها ما يشغلها، الملفات اليمنية والسورية المثخنة والتوغل التركي في سورية والعراق، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، والتدخلات الإيرانية السافرة في المنطقة، كل ذلك أهم بكثير من محدودية القضية القطرية، خصوصاً أن قطر لا تستخدم أظافرها في حك جلدها كما يفعل الأسوياء، بل تستعين بأخرى من مختلف الجنسيات، ما فاقم مشكلة إصابتها بداء «الحكحكة» العضال.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع