بقلم - فيصل العساف
بعد ثورات عام 1989 وصولاً إلى إعلان «تفككه» سنة 1991، خرج الاتحاد السوفياتي منهاراً بشــــتى المقايـــيس الســياســـية والاقتصادية، بل حتى جغرافياً، عندما تآكل وبات جمهورية تلملم بقايا الاتحاد الكبير، في مشهد مهيب، انتهت معه الحرب الباردة بين ضفتي النزاع، حلف شمال الأطلسي (ناتو) وحلف وارسو.
كانت المرحلة التي تلت ذلك عصيبة على الروس الجدد بكل المقاييس، وظل الرئيس الأسبق بوريس يلتسين «يترنح» تحت وطأة مؤثرات عدة، قبل أن يتسلم فلاديمير بوتين، الرجل الصلب، صاحب الشعبية الكبيرة لدى الروس، مقاليد الحكم في بلاده.
جاء بوتين إلى روسيا مثقلة بالإحباط، ولم تكن الحرب الدائرة على مسرح الشيشان، ولا العمليات الإرهابية المصاحبة لها، لتثنيه عن العمل الجاد والسريع في سبيل إعادة عجلات القطار الروسي إلى قـــــضبان الهيبة، فلا تزال عالقة في الأذهان مشاهد القتــــلى على قارعة مسرح موسكو عام 2002، عندما تدخلت قوات الردع الخاصة الروسية بقوة، بعد يومين من حصاره، لتنهي ذلك المشهد العبثي الذي حاول النيل من أمنها الداخلي، إذ قامت بضخ غاز كيماوي في فتحات التهوية، قبل أن تقتحمه، وتقتل عدداً من المهاجمين الشيشان، الذين كانوا يطالبون بوقف العمليات الروسية العسكرية في بلادهم، إضافة إلى عدد كبير من الرهائن المحتجزين.
في 2004، كانت روسيا تخوض اختباراً جديداً، إثر هجوم للشيشانيين على مدرسة بيسلان الابتدائية واحتجاز 1100 رهينة، لكن القوات الروسية كانت على الموعد، إذ اقتحمت المدرسة بعد ثلاثة أيام فقط من حصارها، مستخدمة الدبابات والأسلحة الثقيلة.
كل ذلك، إضافة إلى الفساد، الذي استشرى بين مفاصل الدولة، يضغط على اقتصادها، الذي أحد أهم مسبباته التداخل المريب بين صانع القرار وبــين التـــجار ورؤوس الأموال والمنافع المتبادلة.
الرئيس عبدالفتاح السيسي يواجه مثل ذلك اليوم في مصر، فحرب على الإرهاب في سيناء، وأخرى في الداخل، إضافة إلى الفساد، الذي ينهش بكل نهم جميع مدخرات الدولة، حتى وصل إلى أهم مقوماتها، الإنسان المصري، الذي تبددت أحلامه بين حكـــومات مدارس الولاء المــــطلق، التي فهمت خطأً أن المـــناصب التي تتسلمها ليست سوى مكافأة تمنح من رأس الدولة، بناء على مقدار الولاء للنظام! وبيـن رؤوس أموال التجار المستبدة، التي تجبن عن أي شيء، عدا محاولة النيل مما يعوق رغبتها في التكاثر، بأية طــريقــة كانت، حتى لو كـــان الــضحية هو الوطن، مادام السبيــل إلى ذلك يمــهد إليه ســاسة فاسدون.
في روسيا، كان ابن المؤسسة العسكرية أهلاً في عيون الروس لتولي مشقة الدولة الهامدة، وأثبت بوتين أنه رجل المرحلة بامتياز، فقد أعاد إلى بلاده جزءاً مهماً من بريقها، من طريق التنمية الاقتصادية الشاملة، التي تلت إعادة الاحترام للمؤسسة العسكرية الروسية، عبر سحق فكرة التحرر الشيشانية.
في الداخل، عــمل بوتين على إتاحة فرص العمل من خلال المشاريع التنـــموية الضخمة، والانفتاح الاقتصادي المتوازن، مع ـــعدم الإخلال بالرقابة الصارمة، التي أطاحت المـــفسدين في القطاعين الحكومي والخاص، من دون رحمة وبلا هوادة.
قد نختلف كثيراً مع السياسة الخارجية الروسية، لكن، وجب التنبيه هنا إلى أن المنهج البوتيني الصارم في المشهد الروسي المتهالك آنذاك، ينبغي له اليوم أن يشد أنظار ابن المؤسسة العسكرية المصرية، الذي أعلن ترشحه لفترة رئاسية ثانية، وهو يكافح في سبيل بناء دولة جديدة، تتطلع أنظار 90 مليون مصري إليها، وهم على أتم الاستعداد للتضحية من أجل حلم الحياة الكريمة، التي من السهل تحقيقها، لو خلصت النيات لمصر.
نقلا عن موقع الحياه اللندنيه