بقلم - حازم الأمين
ثمة غائب عما يجري في جنوب سورية، غائب عن استسلام الفصائل المسلحة للمعارضة السورية وعن النصر الذي حققه النظام في تلك المناطق. إنه «الإئتلاف الوطني السوري»، الهيئة التي اقترحت على السوريين أن تكون الممثل السياسي لحركة اعتراضهم وثورتهم على النظام، والتي تولت تمثيلهم في مؤتمرات جنيف وسوتشي وغيرها. لا أثر اليوم لهذا الإئتلاف في حدث أساسي بحجم عودة النظام إلى كامل الجنوب السوري!
أليـــس هذا مُفـــجعاً؟ ألا يقتضي إعلان الائتلاف فشله وحل نفسه وذهاب أعضائه إلى منازلهم التي خصصتها لهم دول راعية وجهات جعلتهم واجهة لطموحاتها في سورية.
في جنوب سورية «تراجيديا الثورة السورية». نهايتها، وبداية زمن آخر. فشل هائل، يغيب عنه أبطاله الحقيقيون. يسعى المهزوم إلى لصق هزيمته في وجوه مقاتلين متعثرين بأسلحتهم الرثة، فيما الوجوه الحقيقية التي تقف وراء الهزيمة متوارية هناك في إسطنبول.
رجال متعبون تقلهم باصات خضرٌ إلى إدلب، حيث ينتظرهم هناك شقاء مختلف، بينما يُشيح رجال الهزيمة بوجوههم عن حقيقة ما ارتكبوه. لا أحد يريد أن يقول شيئاً لذلك المقاتل الذي فشل في الحرب. لا أحد يريد أن يطلب منه البقاء أو المغادرة. مأساة حقيقية. فالمقاتلون هُزموا في حرب لم يكونوا فيها مُدافعين عن مستقبل وعن أمل وعن أفق. لم يقاتلوا بانتظار تسوية، بل بانتظار هزيمة واستسلام. لم يكن خلف الحدود من يرشدهم إلى وجهة. بين ليلة وضحاها، نفض الأميركيون يدهم من الحرب، وتقدم الروس بعرضٍ لهزيمة غير مشرفة، ووافق الجميع، فيما رجال الائتلاف مشيحون بوجوههم نحو عفرين التي احتلها سيدهم، وها هي فصائلهم تستقطع إتاوات من أهلها ومن النازحين إليها.
الهزيمة شطبت وجوه المقاتلين في درعا، ولم تشطب وجوه رجال الائتلاف، ذاك أن الأخيرين بلا وجوه. هل يذكر أحدٌ منا وجه لرجلٍ من هذا الائتلاف؟ أين هي جماعة الإخوان المسلمين السوريين مثلاً مما يجري في درعا؟ هل بكى أحد قادتها على أهلها؟ هل أعلن أحدٌ من هذه الجماعة هزيمته وانسحابه واعتذاره؟ هل فسر لنا أسباب صمت سيده، السلطان الجديد، والرئيس مطلق الصلاحيات، عما يجري لأهل الجنوب السوري، وعن الثمن الذي تقاضاه؟ هل يتجرأ أحد من هذه الجماعة ومن الائتلاف على الكشف عن من باع قضية السوريين؟
ثمة صفقة تُوجت بهزيمة يسعى الجميع إلى إلصاقها بوجوه مقاتلين متعثرين، لطالما قاتلوا بـ «القطعة» عن دولٍ وأحلاف، إلى أن حانت ساعة النهاية، فأخفى الجميع وجوههم، وألصقت الهزيمة بمن لم يكن يوماً يملك زمام الحرب التي يخوضها.
لا بد من البحث عن مهزومٍ آخر لكي تستقيم النهاية، ذاك أن الحرب كانت هائلة، ولا يصح أن يقتصر الفشل فيها على ضعفائها.
يجب البحث عن مهزوم أكبر. إسرائيل انتصرت في هذه الحرب وكذلك روسيا وإيران والنظام السوري، وتركيا احتفظت بحصتها، وأميركا ما زالت في قواعدها. فهل يصح أن كل هؤلاء انتصروا على مقاتلين ضعفاء راكموا من الأخطاء ما يفوق عدد الأيام التي حكموا خلالها؟ وهل يصح أن تتوج حرب هائلة برحلة حزينة لمئات المقاتلين تقلهم الباصات الخضر إلى إدلب؟ المشهد ينطوي على مراوغة كبرى، وعلى حربٍ لم تكن يوماً سوى قناعاً يخفي ابتسامات ترتسم على وجوه مريقي الدم السوري.
الإستقالة من الائتلاف بصفته قناع المأساة لم تعد تكفي. في حوزة سوريي الائتلاف الكثير مما يجب أن يقال قبل أن يعلنوا فشلهم النهائي وأن يتوجهوا إلى درعا لكي يسلموا أنفسهم إلى النظام في محاولة اعتذار من الضحايا الحقيقيين. هذه الخطوة وحدها ما يمكن أن يساعد من تبقى من السوريين على قيد الحياة لكي يغفروا لهؤلاء تخاذلهم.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع