توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيف لطهران أن تتجاوز رجل العراق الأول مقتدى الصدر؟

  مصر اليوم -

كيف لطهران أن تتجاوز رجل العراق الأول مقتدى الصدر

بقلم - حازم الامين

 ستكون مهمة السيد مقتدى صعبة إذا ما أراد أن يجري تسوية على الشعارات التي خاض الانتخابات على أساسها. فالرجل قاد طوال السنوات الأربع الأخيرة مواجهات «مدنية» مع السلطة رفع خلالها شعارات تمس صلب دورها وخياراتها الرئيسة. الأمر لا يتعلق بمستويات الفساد غير المسبوق في هذا البلد فحسب، إنما أيضاً خروج صاحب «الحوزة الناطقة» عن الإجماعات الشيعية العراقية. تحفظ على الدور الإيراني في بغداد، وانتقد طهران مباشرة وغير مرة. طالب الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي. زار الرياض وأبو ظبي في ذروة صدامهما مع طهران في اليمن.

فاز الصدر في الانتخابات العراقية بأكبر لائحة، وتحالف مع الحزب الشيوعي العراقي في سابقة لافتة ومؤشرة إلى خياراته المستجدة. واليوم أمام السيد استحقاقات لم يسبق أن واجهها. فهو المرشح لصناعة المنصب الأول في العراق، ومن المرجح أن يكون مرشحه من خارج لوائحه وتكتله، ذاك أن للمنصب وجوهاً في العراق تمليها توازنات لم يسبق أن كانت وجوه التيار الصدري جزءاً منها.

لكن الشروط الصدرية من المفترض أن تحاصر من يسميه التيار رئيساً، وحتى الآن يبدو أن العبادي أوفر حظاً في هذا السياق، لكنه عبادي آخر غير ذلك الذي حكم العراق في السنوات الأربع الأخيرة. فمن المفترض أن يكون أقل إيرانية من نفسه وأقل دعووية (نسبة لحزب الدعوة)، وعليه أن يقبل بوزير شيوعي أو أكثر، وأن يجري عملية ترميم للعلاقة مع الأكراد (أهدى مقتدى مسعود البارزاني مقعداً نيابياً بأن رشح مقرباً منه على لائحته في إشارة قوية ودالة على خياراته الكردية)، ناهيك بالقوى السنية التي خلف فوز الصدر ارتياحاً في أوساطها. وبهذا المعنى، نحن نتحدث عن حيدر عبادي آخر.

مقتدى الصدر لم يخسر يوماً الانتخابات منذ أن بدأ العراق بهذا الطقس القاسي في 2005. لم تتراجع كتلته في أي دورة عن الدورة التي سبقتها. كل القوى العراقية تفاوتت نتائجها تقدماً أو تراجعاً بين دورة انتخابات وأخرى باستثنائه. قاعدة زعامته أثبت وأرسخ من أي قاعدة زعامة أخرى. وهذه المرة تفوق السيد على نفسه. فاز بأكبر لائحة انتخابية، وخلافاً لرأي شائع يقول بانعدام خبرته وعدم براغماتيته، كشف عن قدرة لا تملكها أي قوة دينية عراقية على التحرك وعلى شبك تحالفات عابرة لثوابت رجال الدين. فالتحالف مع الحزب الشيوعي العراقي فيه تجاوز لعلاقات تاريخية مريرة بين رجال الدين الشيعة وبين هذا الحزب، ولآل الصدر تحديداً قصصهم الخاصة مع هذا الحزب، ذاك أن صعود حزب الدعوة في الستينات جرى في ظل التنافس الحاد بين قواعد الحزب الشيوعي العراقي في البيئة الشيعية ونفوذ الحوزة والمرجعية النجفية فيها، وقاد زعيم حزب الدعوة ومؤسسه السيد محمد باقر الصدر، عم مقتدى، هذا التنافس. ومقتدى اليوم يتحالف مع الشيوعيين متجاوزاً هذه الحقيقة. وهو إذ ساعد الشيوعيين على وصول 13 مرشحاً منهم إلى البرلمان، ساعدوه هم بدورهم على تظهير موقع «مدني» لتكتله، وعلى التخفف من خيارات الأحزاب الدينية. وأن يجري رجل دين هذه المقاصة غير آبه بحسابات الموقع والتاريخ، فإن ذلك يؤشر إلى مقدار الثقة بقواعده من جهة، لكنه من جهة أخرى يؤشر إلى قرار بالخروج من عباءة خيارات التشيع العراقي كما حددته طهران.

مقتدى ليس مرجع جماعته، فالرجل لم يبلغ بعد كفاءة تخوله التصدي لهذا الموقع الديني، لكنه تخفف على ما يبدو من ثقل الحاجة إلى المرجعية. في بداية شبابه شعر بأن الصدرية تحتاج مرجعاً. سقط نظام البعث ووجد الرجل نفسه في العراء، بلا مرجع. والده كان قُتل، والنجف مرجعية منافسة. ربط موقتاً مع كاظم الحائري، المرجع المقيم في إيران والقريب من نظامها. فمرجعية الحائري خارج الحدود ولا ترتب عليه أثقالاً عراقية. لكن مع الوقت شعر بأنها قناة لنفوذ طهران داخل قواعده، فراح يبتعد منها. وها هو اليوم أقرب إلى النجف منها. استعاض عن البعد السياسي لموقع المرجع بأن أعلن نفسه مرجعاً سياسياً لمريديه، فيما ترك للأخيرين حرية اختيار مرجعهم الديني، وفي هذا مقدار غير مسبوق من البراغماتية.

مقتدى الصدر ممثل البعد الداخلي (الوطني إذا جاز التعبير) للتشيع في العراق. ولهذا البعد موقع مختلف في الحساسية الشيعية بعلاقتها مع إيران. الرجل ليس خصماً لطهران على ما يرطن كثيرون من خصومها، إلا أنه صادر عن خبرة مختلفة. خبرة الداخل غير الملتبسة بما أملته سنوات الشتات على هويات القوى الشيعية الأخرى. والأرجح أنها الخبرة التي استمد منها الرجل ملكة التفوق في العلاقة مع قواعده، وهي أيضاً ما جعله يشعر بأن الشيوعيين بوصفهم جزءاً من ماضٍ مشترك، يمكن أن يكونوا شركاء في مزاج الداخل وفي حساسياته. فما بقي من الحزب الشيوعي في العراق ليس أفكاره، تلك التي قارعها الصدر الأول (محمد باقر) بكتابيه «فلسفتنا» و «اقتصادنا»، انما ما بقي منه روابط اجتماعية ومناطقية وتاريخية للصدرية علاقة أكيدة فيها.

الذكاء بصفته فطرة وبصفته خبرة غير متبلورة في وصفة دينية جاهزة، هو ما يمكن أن يكون وراء الكثير من خيارات مقتدى الصدر وخيارات من يحيطون به. وفي كل مرة تجرى فيها انتخابات في العراق تنبعث الصدرية بصفتها صوت الداخل العراقي الذي لم يهضم تشيعاً قادماً من خبرة أخرى. لا يقوى هذا الصوت على مواجهة هذا الخصم الافتراضي، ولا يرغب أصلاً في ذلك، لكنه هذه المرة كان صوتاً أعلى من المتوقع، وهو على رغم ذلك لن يُعلن المواجهة، إلا أنه سيسعى إلى أن يكون شريكاً. والسؤال هو: هل ستعني هذه الشراكة تثبيتاً لموقع لا يرغب في الاستتباع. لدى مقتدى رغبة في ذلك من دون شك، لكن المهمة صعبة جداً، وأهمية العراق بالنسبة لطهران تفوق لبنان وسورية، وهذا ما يفتحه على احتمالات كثيرة، وما يجعل مهمة إجهاض نتائج الانتخابات أولوية لدى الجنرال قاسم سليماني.


نقلا عن الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف لطهران أن تتجاوز رجل العراق الأول مقتدى الصدر كيف لطهران أن تتجاوز رجل العراق الأول مقتدى الصدر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon