بقلم - نبيل زكي
ستون عاماً مضت علي الوحدة المصرية ـ السورية التي استمرت ثلاث سنوات وسبعة شهور وحوالي ستة أيام، أي من ٢٢ فبراير ١٩٥٨ حتي ٢٨ سبتمبر ١٩٦١.
كانت الوحدة حلماً قبل أن تتحول إلي واقع حي، يثير قلق وانزعاج القوي المعادية للعرب. وقد عززت هذه الوحدة مكانة مصر علي الصعيد العربي والدولي، خاصة أنها تحققت بعد مؤتمر باندونج، الذي كان نقطة انطلاق لموجة من حركات التحرر في أفريقيا وآسيا، وعقب تأميم شركة قناة السويس والانتصار المصري علي العدوان الثلاثي وتنويع مصادر تسليح الجيش المصري.
وقاوم جمال عبدالناصر، في بداية الأمر، مشروع الوحدة كما عرضه حزب البعث السوري، لأنه كان يفضل التريث وعدم اتخاذ إجراء متسرع، حيث إن الوحدة تبدأ من التضامن العربي إلي التحالف إلي الاتحاد وتحتاج إلي مرحلة تحضير تمتد إلي خمس سنوات يتم خلالها إقامة وحدة اقتصادية وعسكرية وثقافية قبل الوحدة الدستورية الكاملة.
والمؤكد أن صيغة الاتحاد الفيدرالي كانت الأكثر ملاءمة.. والأكثر ضمانا لنجاح الوحدة.. غير أن عبدالناصر خضع لضغوط القيادة السورية، خاصة البعثيين، وقبل بالوحدة الاندماجية الفورية في وقت كان مفهوم الوحدة العربية مشحوناً فيه بالعاطفة. وانهارت الوحدة المصرية ـ السورية لأسباب عديد، أهمها:
> التغاضي عن التفاوت والتباين في الظروف الاقتصادية والاجتماعية والخصائص الإقليمية.
> قرارات التأميم للمصانع والشركات الكبري والبنوك جعلت الطبقة الرأسمالية في سوريا تنقلب علي الوحدة.
> أسلوب الحكم وحل الأحزاب السياسية وتعطيل الحياة السياسية وفرص التنظيم السياسي الواحد ـ وهو الاتحاد القومي في مصر ـ ورفض التعددية وسيطرة الأجهزة الأمنية واعتقال أصحاب الرأي والهيمنة الكاملة لـ »السلطان عبدالحميد» ـ أي عبدالحميد السراج رئيس المخابرات.
> الأحزاب التي وافقت علي حل نفسها كانت تطمح لأن تكون شريكاً كاملاً في الوحدة، خاصة حزب البعث الذي كان يتصور أن الوحدة يمكن أن تفتح له الباب أمام انتشار تأثيره العقائدي في العالم العربي.. فإذا به يجد نفسه مهمشاً مما دفع الوزراء البعثيين إلي الاستقالة ثم الوقوف في صف الانفصاليين.
> افتقار قيادات مصرية تعمل في »الإقليم الشمالي» إلي »ثقافة الوحدة».
> الانقسام الجغرافي إلي منطقتين منفصلتين غير متصلتين بطريق البر ـ إقليم شمالي وإقليم جنوبي وإنما عبر البحر فقط.
> تآمر دولي وإقليمي علي دولة الوحدة يشمل قيام حاكم عربي بدفع مليون و٩٠ ألف جنيه لعبدالحميد السراج نظير وضع قنبلة في طائرة عبدالناصر.
ورغم أن البعض توقع أن يرسل عبدالناصر قواته لإحباط الانقلاب علي الوحدة، إلا أنه رفض، وقال عبارته المهمة:
»يجب علينا أن نكون قادرين دائما علي الاعتراف بأخطائنا».
وبعد عشرة أيام من الانقلاب كتب »محمد حسنين هيكل»:
»كنت في كثير من الأحيان أشعر بالخطر الذي لابد أن تواجهه تجربة الوحدة من جراء ارتكازها علي شخصية البطل».
كانت مثاليات الفكر القومي تركز دوما علي الثوابت المشتركة في الشخصية العربية، وتهمل تماما فروق التمايز في هذه الشخصية.
نقلا عن الاخبار القاهريه