بقلم : عبلة الرويني
تبدأ الرواية بمتابعة رجل تجاوز السبعين من عمره، يستأنس وحدته بالذهاب كل صباح إلي المول.. يقضي الساعات علي نفس الدكة، يهيم في لا شيء، أو في قراءة كتاب معه.. وتنتهي الرواية بمرور ابنته العائدة من عملها، لتأخذه إلي البيت!
بين القوسين الكبيرين للرجل العجوز، تؤسس سمر نور وحدتها، أو وحدة بطلة روايتها القصيرة (الست) علي التناقض!!.. عجوز يخرج إلي العالم الخارجي، ليستأنس وحدته بين وجوه الناس، بينما الكاتبة وعلي امتداد 15 فصلا في الرواية، تؤسس بقصدية متعمدة وحدتها المحكمة، حين تقرر الانفصال عن عائلتها، واستئجار مسكن مستقل تعيش فيه بمفردها.. تختار ألوان الحوائط كما تحب، وتطهو بالطريقة التي تحلو لها.. تحكم إغلاق عالمها تماما، تغلق النوافذ والأبواب والأقفال ومفاتيح الغاز، وتمارس فعل الكتابة من أجل أن تقتل وحوشها ومخاوفها التي احتلت طويلا مكانا في الذاكرة.. في هذا العالم المغلق، تتعرف ربما للمرة الأولي إلي صوت أم كلثوم، الذي لم يكن يروق لها من قبل.. صارت تسترق سماعه بشغف عبر راديو الجيران.. أم كلثوم هي أيقونة الاستقلال الذي تنشده، وتعويذة طرد الوحوش التي تهددها.. وهي أيضا (إدمان الوحيد) كما يصفها محمود درويش!!
الصراع مع وحوش الحياة داخل وحدتها المبهجة، ربما يمنحها قدراً من الصلابة، وتمنحها الوحدة قدراً من الحرية، لكن هل تمنحها الاستقلال؟ هل يمكن أن نتحدث عن الاستقلال داخل عالم وحيد منعزل، يهرب من مواجهة الحياة بالخارج، إلي عالم داخلي محكم الإغلاق؟.. هل هي امرأة مستقلة أم هي امرأة وحيدة؟..
تختلط المعاني.. تتخلص البطلة من بعض أوهامها وبعض وحوشها، بالمزيد من العزلة لا بالمواجهة.. من بقايا حب خاسر لحبيب مجهول.. من حكايات ناقصة من لسعات النحل.. لكن ذلك لم يمنحها الاستقلالية بعد
نقلاً عن الآخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع