بقلم - عمرو هاشم ربيع
توظيف الصورة أثناء الحرب هو أحد فنون إدارة المعارك ذاتها، بمعنى أن أطراف الحرب سواء المباشرون أو غير المباشرين بإمكانهم استخدام الصورة، ونعنى بها هنا الصورة الثابتة أو المشهد المتحرك، كى يتحقق هدف من يبث الصورة أو المشهد.
فى حرب غزة يمكن ملاحظة كل ذلك من خلال متابعة مسلك الكيان الصهيونى ومسلك حماس وغيرهما من الأطراف، كى يعى الكثيرون أن هذه الصور أو المشاهد تستطيع أن تتحكم فى سلوك وعواطف المتلقى فتبرر سلوكه ونوازعه.
واحد من أبرز المشاهد والصور الدالة على ذلك، صور الأطفال التى بثتها إسرائيل لجثث أطفال مقطوعى الرأس لما قالت عنه إنه حدث يوم 7 أكتوبر الماضى، وقد تبين زيف تلك الصور. وصور أنفاق غزة أو ما تصطلح إسرائيل على أن تسميه مترو غزة، وكأن هؤلاء يراد منهم الاستسلام، أو أنهم يبنون تلك الأنفاق فى الأراضى الأوروبية أو الأمريكية. وصور المنازل وحالة الرعب التى يعيشها المدنيون فى تل أبيب وعسقلان وغلاف غزة، بسبب صواريخ حماس التى سبق لمحمود عباس نفسه أن وصفها بالبمب بسبب الخيبة فى تحقيق نتائجها... إلخ.
بالمقابل نجد صورة حماس وهى تبث شريطا لثلاث أسيرات من المستوطنين، وتسميهم إسرائيل مختطفين، وهم يحثون نتنياهو على الإفراج عنهم بعد أن اتهموه بالفشل. وصور حماس وهى تعد وتفكك وتركب وتطلق الصواريخ، وصورها لمستوطنين صهاينة وهم يتبولون على جثث الفلسطينيين الشهداء الذين سقطوا يوم 7 و8 أكتوبر الماضى. إضافة بالطبع لصور المذابح التى ترتكب بحق النساء والأطفال والمستشفيات والمساجد والكنائس والتى بثتها عديد وكالات الأنباء والفضائيات... إلخ.
كل ما سبق هو فقط عينة بسيطة من استخدام أطراف الصراع ومناصريهم للصورة لتحقيق أغراض محددة.
بداية يسعى كل طرف من خلال الصور أو المشاهد أن يبرر سلوكه تجاه الآخر، فحماس تسعى إلى تبنى أسلوب القوة المسلحة، باعتباره مجرد رد فعل، بسبب سياسة الاستيطان والتهويد وانتهاك المقدسات، وبالطبع قتل إسرائيل للمدنيين، خاصة العزل من النساء والأطفال. ومن ثم فهى تسوق لذاتها باعتبارها حركة مقاومة مشروعة ضد المحتل الأجنبى، وهذا التصور لا زال الإعلام الغربى، وجله موالى لإسرائيل، يحبو نحو تصديقه، أو أن هذا الإعلام يخشى السير فى طريقه خشية تحول الرأى العام الغربى تجاه التعاطف مع إسرائيل. وهو على أى حال يبدو أنه يفشل تدريجيًا فى ترويج أو تبرير المسلك الصهيونى، بعدما تكشفت الأحداث.
بالمقابل تهدف إسرائيل من الصورة أن تبين للعالم أنها ضحية الهمجية، وأنها تواجه هجمة كتلك التى واجهها الغرب مع داعش. بعبارة أخرى تسعى إسرائيل إلى شيطنة حماس باعتباها حركة إرهابية لا علاقة لها بالمقاومة المسلحة، وهى لا تعترف أصلا بالمقاومة المسلحة، وتهدف إلى خنوع الطرف المقابل، والتعامل معه بالقتل أو التهجير أو قبول الوضع القائم الخاص بالبقاء فى صورة الشعب الأعزل القابل بنزع كرامته الإنسانية مقابل أمنه الشخصى، باعتبار كل هؤلاء كما قال أحد قادتهم حيوانات بشرية.
ولذلك تهدف إسرائيل إلى دعم التعاطف الغربى معها، وشحذ التعبئة الداخلية للرد على أنها قد فشلت فى صد الهجوم الحمساوى، ومن باب أولى التنبؤ بسلوكه. وهى تصور كل ذلك على أنه مذبحة جديدة تعرض لها الصهاينة كتلك التى تعرض لها يهود أوروبا. ومن ثم فهى تصيد عصفورين بحجر واحد. عصفور الرد على منتقدى الحكومة فى الداخل، من وجود عجز حكومى، ومن ثم فإنها تقوم بالرد العنيف ردًا لكرامة وصورة استبيحت لدى شعبها. وعصفور يتصل بدفع الغرب إلى دعمها فى حربها ضد حماس باعتبارها حركة إرهابية تفوق داعش، وأنه لا سبيل لتحقيق مآرب الغرب ومآربها إلا بسحقها كليًا. والشاهد حتى اليوم أنها حققت الكثير من مسعاها فى توظيف تلك الصورة فى دعم مطلق لها.
حماس استطاعت من خلال الصور التى تبث من موقع الأحداث أن تحرك الضمير العالمى، فالمظاهرات والاحتجاجات التى جابت الميادين فى أوروبا والولايات المتحدة، وشارك فيها يهود أحيانا ترجمت تعاطف كبير تجاه الفلسطينيين، وصورت إسرائيل بصورة الدولة العاصية أو المارقة فى النظام الدولى الذى بات يكيل بمكيالين. فهو يزرف الدموع على القتلى لو كانوا من أبناء جلدتهم فى أوكرانيا، ويديرون ظهورهم لنظرائهم فى فلسطين دعما للكيان المستعمر فى فلسطين.