بقلم - عمرو هاشم ربيع
ما إن تهدأ معركة التعديلات الدستورية بكل ما تحمله من خلافات بين مؤيد ومعارض من حيث المبدأ، أو مؤيد ومعارض من حيث هذا التعديل أو ذاك، تبدأ معركة جديدة، معركة يقودها آخرون لتنفيذ التعديلات على الأرض.
واحدة من أهم تلك المعارك التى سبق أن عشناها، هى ما يخوضها القائمون على سن تشريع قوانين الانتخابات لسن تلك التشريعات. التشريعات المقصودة هى قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس النواب وقانون تقسيم الدوائر الانتخابية، وربما نضيف لهذه القوانين قانون مجلس الشيوخ أو مجلس الشورى.
المعركة التى نتحدث عنها ليست بين المؤيدين لهذا النظام الانتخابى أو ذاك، بل الأهم هى المعركة بين الطاقم الفنى الذى يسن القانون وذاته. هؤلاء ليسوا هم نواب البرلمان بل المتخصصون الذين توكلهم الحكومة بإعداد القانون لعرضه على البرلمان لتمريره. تلك المعركة فحواها أن الشارع الدستورى لم يترك خيارات كثيرة للشارع القانونى ليسن قانونا جيد الحبكة، يصعب على الآخرين أن ينالوا منه بالطعن بعدم دستوريته.
يبذل الشارع القانونى جهدا كبيرا ليمنع ثغرة ينفذ منها الطاعنون، ويعيش فى ثوب محامى الشيطان طوال الوقت، لكنه ما إن يجد مخرج قضية فرعية ما، يجد أن العقال قد انفلت منه فى قضية فرعية أخرى متصلة بالانتخابات أيضا. وكأن حياكا ما إن يرقع ثوبا باليا من تلك الناحية، فيجد أنه فتق ورتق من ناحية أخرى.
أحسن الشارع الدستورى فى كسب خبرات كبيرة من الماضى فيما يتعلق بشكل النظام الانتخابى، فأراح نفسه وأراح الشارع القانونى، بالقول بحرية الأخير فى الاختيار بين النظام الأغلبى (الفردى) والنظام النسبى (القوائم) أو الخلط بينهما بأى نسبة، لكنه عند ذلك حسب وظن أن المشكلات قد انتهت، فى حين أنها بدأت.
أبرز المشكلات التى تواجه الطاقم الفنى الموكل له وضع تشريع الانتخاب، كثرة الكوتات الانتخابية، كان يكفى كوتة واحدة كى يبذل الشارع القانونى عناء ليحقق رغبة الشارع الدستورى منها، فإذ بالأخير يأتى بسبع كوتات مرة واحدة.
المهم فى ذلك كله أن الرغبة الأممية فى العمل بالكوتة كان مؤقتا، كما أقر بذلك مؤتمر بكين نهاية القرن الماضى بغية تمكين المرأة. وكان الهدف من التأقيت أن يعتاد الناس وجود صاحب الكوتة فى البرلمان كى يتمكن ذاته من خوض الانتخابات والفوز بها آليا بلا كوتة بعد فترة وجيزة، لكن وجود تجربة بدأت فى مصر بالعمال والفلاحين منذ دستور 1964، وبالنسبة للمرأة وجود كوتة منذ عام 1979، استمرت فى عام 1984، وعادت مرة أخرى عام 2010، كل ذلك لم يقنع الشارع الدستورى ليكف عن هذين الاستحقاقين.
وحتى مع الإصرار على الاستمرار فى الكوتة، بغض النظر عن أصحابها، وضربا للمساواة وتكافؤ الفرص، كان يكفى الشارع الدستورى أن يفعل كما يفعل العديد من بلدان العالم، وهو أن يقلل إلى حد كبير من عدد الكوتات، وأن يلقى بمسؤولية تنفيذها على الناخبين (وربما الأحزاب السياسية) لا المشرعين، كى ينتخب هؤلاء ما يريدون. بعبارة أخرى، لدينا نوعان من الكوتة كوتة ترشيح وهى كوتة يصر عليها مشرعو الدستور ومعهم الشارع القانونى، وكوتة تمثيل وفيها يقر القانون أنه بين من يخوض الانتخابات سيعلن فوز عدد محدد من أصحاب الكوتة، دون أى تدخل من القانون فى إعداد القوائم الانتخابية.
دور الطاقم الفنى الموكل بتشريع قوانين الانتخاب، أن يتكلم الآن، يشرح مثالب ومعوقات ما يدستر اليوم، ودور البرلمان الذى فتح حوارا مجتمعيا حول التعديلات الدستورية أن يستضيف تلك الأطقم للاستماع لرأيها فى كيفية تنفيذ ما ستأتى به التعديلات. لكن الحادث كما فى كافة القطاعات، يعمل بعضنا بمعزل عن الآخرين.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع