بقلم - عمرو هاشم ربيع
يبدو أن تأخر قانون الإدارة المحلية نابع من خوف من تطبيق اللامركزية. مؤشرات هذا الخوف بعضها شكلى وبعضها مضمونى. ففى الشكل صرح رئيس لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان فى أكثر من مناسبة أن مشروع القانون جاهز منذ نهاية الدور الأول من الفصل الحالى، أى منذ أكثر من 24 شهرا. وفى المضمون يبدو أن الخوف من مشروع القانون ومن ثم اللامركزية يأتى نتيجة الكم الهائل من الصلاحيات التى يمنحها الدستور والمشروع للمحليات. فالمشروع المعد ينص- كما يقول الدستور- على أن تكفل الدولة دعم اللامركزية الإدارية والمالية والاقتصادية، وينظم القانون وسائل تمكين الوحدات الإدارية من توفير المرافق المحلية، والنهوض بها. ويقول أيضا: تكفل الدولة توفير ما تحتاجه الوحدات المحلية من معاونة علمية، وفنية، وإدارية، ومالية، وتضمن التوزيع العادل للمرافق، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين هذه الوحدات. من ناحية أخرى، يذكر الدستور أن للوحدات المحلية موازنات مالية مستقلة، يدخل فى مواردها ما تخصصه الدولة لها من موارد، وضرائب ورسوم ذات الطابع المحلى.
وبخصوص المحافظين فقد فتح الدستور الباب أمام انتخابهم هم ورؤساء الوحدات الإدارية المحلية الأخرى. ليس هذا فحسب بل إن الدستور انتقد الوضع الراهن للمجالس المحلية بتأكيده فى م (242) على استمرارية العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه فى الدستور، (وأضاف) بضرورة التدريج خلال خمس سنوات من نفاذ الدستور للوصول للامركزية. وهذه المادة الأخيرة تشير إلى أن مخالفة وقع فيها صانع القرار بعدم تعيين مجالس محلية إلى أن تنتخب مجالس جديدة كما ينص القانون الحالى. جدير بالذكر أن المجالس المحلية قد حلّت منذ 2011 ولم يعين بديل عنها، بالمخالفة للقانون.
يبقى السؤال: ما هى جدوى اللامركزية؟. أولاً اللامركزية لا تعنى الانفصال أو الحكم الذاتى، خاصة فى دولة شديدة المركزية مثل مصر. ثانيا، اللامركزية تتيح قدراً كبيراً من المسألة والمحاسبة للسلطات التنفيذية على الصعيد المحلى، ومن ثم فهى تحد بشكل كبير من فساد المحليات. ثالثا، إن اللامركزية من الناحية الاقتصادية، تعزز من قدرة المحليات على الاعتماد على الذات فى مواردها دون أن ترهق المركز فى تدبير احتياجات المحليات. وهى من الناحية الاجتماعية، تساهم فى الحد من الفقر من خلال إعادة توزيع الثروات على المستوى المحلى، وكذلك تقديم الخدمات التعليمية والصحية ورعاية المرأة والشباب. ومن الناحية الإدارية، تجهز (بضم التاء) اللامركزية على البيروقراطية فتدعم بشكل آلى الاستثمار، سواء ارتبطت بنقل السلطة أو اكتفت بمجرد تفويض السلطة. أما سياسياً، فإن اللامركزية تدرب المواطن على المشاركة، فتجعل منه شخصاً مسؤولاً وفاعلاً وقادراً على العطاء، وذلك سواء كان عضواً فى مجلس القرية أو المدينة أو المركز أو المحافظة، ناهيك عن أنها تجعل المواطن غير العضو فى تلك المجالس مهتماً باختيار ممثليه فى تلك المجالس، وقادراً على محاسبة الجميع سواء كانوا مشرعين محليين أو تنفيذيين محليين.
بإيجاز شديد أن اللامركزية تجعل المسؤولين التنفيذيين والمشرعين على المستوى المركزى بمنأى عن الضغوط، لأنها تنقل وربما تكتفى بتفويض آخرين بمسؤوليات جسام على المستوى المحلى.