اليوم يتوجه المصريون لصناديق الاقتراع، لاختيار رئيس الجمهورية لأربع سنوات مقبلة. وتثير مسألة خروج المصريين لصناديق الاقتراع منذ يناير 2011، عدة قضايا تتعلق بمستويات ومحددات المشاركة.
بداية يجب رصد أن المصريين خرجوا خلال تلك الفترة ثمانى مرات، ثلاث مرات بمناسبة الدستور(2011- 2012 – 2014)، وكانت نسب التصويت على التوالى 41.19% و32.86% و38.60%، ومرتان بمناسبة انتخابات الرئاسة (2012 -2014)، وكانت نسبة التصويت فيهما تقريبا 47% و47.30% على الترتيب. وأخيرا ثلاث مرات بمناسبة الانتخابات البرلمانية، الأولى بمناسبة انتخاب مجلس النواب فى نوفمبر 2011، والثانية لانتخابات مجلس الشورى فى يناير 2012، والثالثة بمناسبة انتخابات مجلس النواب فى أكتوبر 2015، وكانت نسبة المشاركة فى التصويت فيها على التوالى نحو 62% و12.75% و48%.
على هذا الأساس يتبين أن هناك عدة ملاحظات جوهرية.
إن اهتمام المصريين بالخروج فى الانتخابات يرتبط بنوع الخروج، فهو كبير فى انتخابات البرلمان، ومتوسط بسبب انتخابات الرئاسة، ومحدود بسبب الاستفتاء. وهذا الأمر يبدو منطقى بسبب حال الزخم المرتبط بالعصبيات إبان الانتخابات البرلمانية.
من ناحية أخرى، أن خروج المصريين يرتبط بصلاحيات المخرج بشأنه. بعبارة أخرى، إذا كان الخروج من أجل مجلس محدود الصلاحيات كمجلس الشورى فإن الخروج سيكون محدوداً كما حدث فى انتخابات مجلس الشورى عام 2012 (12.75% تقريبا). والعكس إذا كانت صلاحيات ما يخرج بشأنه كبيرة كان الخروج أكبر، وهو ما يتضح فى انتخابات مجلس النواب فى المرتين السابقتين.
إضافة إلى ذلك، إذا كان الخروج من أجل فرد أو موضوع واحد كان الاهتمام بالتصويت ضعيفا أو متوسطا، مقارنة بما إذا كان الخروج من أجل اختيار مئات الأشخاص، حيث تكون المعركة حامية، وهو ما يلاحظ بمقارنة انتخاب برلمان البلاد بالاستفتاء على الدستور فى المرات الثلاث وكذلك اختيار رئيس للبلاد.
أما فيما يتعلق بالمنافسة، فإنها تتحكم بشكل كبير فى شكل الخروج، من زاويتين.
الزاوية الأولى عندما تكون المنافسة بين قوى سياسية فى موضوع ربما لا يتعلق بشكل مباشر بأشخاص بعينهم، وهنا يبرز الاستقطاب الكبير خلال الاستفتاء بين القوى المدنية والإسلامية فى استفتاء مارس 2011، مقارنة بالاستفتاءين الأخيرين. صحيح أن استفتاء 2012 حمل هو الآخر استقطابا كبيرا فى الشارع بين التيارين السابقين، لكن ما قلل من نسبة المشاركة فيه مقاطعة أغلب القوى المدنية للاقتراع.
الزاوية الثانية عندما يكون هناك استقطاب بين أشخاص يحملون خلفهم عصبيات، أو مرجعيات سياسية وأيديولوجية. فى شأن العصبيات يلاحظ الخروج الكبير فى انتخابات مجلس النواب 2012 و2014. أما فى شأن المنافسة بين المرجعيات السياسية والفكرية فهناك ثلاث نتائج يجب الوقوف عندها. انتخابات الرئاسة 2012 فى الجولة الأولى (13 مترشحا منهم 5 مرشحين أقوياء هم مرسى وشفيق وموسى وحمدين وأبوالفتوح)، وفى جولة الإعادة (مرسى وشفيق)، وفى انتخابات الرئاسة 2014 (السيسى وحمدين). هنا كانت نسب التصويت على التوالى 47% و50.1% و47.39%.
الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة 2012، كانت المعركة حامية لأبعد الحدود بين القوى المدنية /الدينية، الثورية /الرجعية.
فى جولة الإعادة فى نفس الانتخابات، كانت معركة تكسير عظام بين ذات القوى بشكل أكثر تركيزا، وربما قلل من نسبة المشاركة فيها (رغم كبرها) مقاطعة قطاع معتبر من التيار الثورى المدنى لها.
فى انتخابات الرئاسة 2014 كانت المعركة رغم كونها مدنية مدنية، إلا أنها كانت بين فكرين مختلفين، أحدهما يحمل شرعية الإنجاز الحالى أو الآنى، والآخر يحمل شرعية ثورية وفلسفية، ولم يكن فى تلك الانتخابات أى من المرشحين قد اختار منافسه كما هو حادث الآن. وهى فى النهاية كانت انتخابات 2014 منافسة حقيقية لا صورية ولا كرتونية، رغم يقين الغالبية الكبيرة بفوز السيسى.
غاية القول إن المنافسة رقم معتبر فى أى انتخابات، وإن الناخبين من الذكاء لكى يدركوا هشاشة ورمزية الانتخابات وبين جديتها، وهذا الأمر، إضافة إلى المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التى يعانى منها الناخب، من أكثر الأمور التى يمكن أن تتحكم فى نسبة المشاركة. لكن يبقى السؤال هل مناخ مواجهة الإرهاب، سيكون له دور فى مشاركة المصريين فى تلك الانتخابات رغم انعدام المنافسة أم لا؟
نقلا عن المصري اليوم القاهرية